سيتبادر للذهن العديد من الأسئلة حول الأسباب الحقيقية التي جعلت رأس النظام التركي ينقلب على التفاهمات والاتفاقات والالتزامات ويغير جلده، ثم يتغول ويتوحش ويتصرف بحقد منقطع النظير ضد السوريين وباقي أشقائهم العرب، بحيث حوّل المنطقة إلى ساحة صراع دموية يصعب التنبؤ بمآلاتها ونهاياتها، مظهراً الكثير من العناد والحماقة والفجور ومصراً على الفبركة والتضليل والكذب، في محاولة يائسة منه للعب على التوازنات الإقليمية والتحالفات الدولية، في استغلال رخيص لموضوع الدين وللقضايا الإنسانية النبيلة بصورة مستفزة لغايات غير نظيفة في عقله المأفون.
يذهب الكثير من المتابعين إلى تفسير ما يقوم به نظام أردوغان بأنه خضوع للعبة المصالح المتبدلة في عالم اليوم، بحيث دفعته مصالحه «الخاصة» وأوهامه السلطوية للاستدارة /180/ درجة في مواقفه وسياساته الداخلية والخارجية، ما جعل منه مفاجأة غير سارة للكثيرين، فيما يذهب البعض إلى تفسير الحالة بأنها مجرد قيام بدور وظيفي مرسوم له من قبل واشنطن، وعندما ينتهي من أداء دوره ستتم تصفيته أو إخراجه من المشهد السياسي كما جرى مع أمثاله من العملاء والموظفين لدى واشنطن في سنوات خلت، وتختلف التفسيرات وتتشظى لتلامس الشخصية الإخوانية الانتهازية التي ينطلق منها هذا الرجل المريض لاستعادة «أمجاد» السلطنة العثمانية البائدة، ويتم البرهان على ذلك بتصريحاته الاستفزازية التي سبق له أن صرح بها مراراً وتكراراً خلال ما يسمى «الربيع» العربي الكارثي الذي ضرب المنطقة، غير أن الأكيد هو أن هناك مزيجاً من كل تلك الأسباب المذكورة، وإن طغى أحدها على الآخر تبعاً للظروف المستجدة، وإذا ما أضفنا إلى ما سبق الأصل السلجوقي أو العثماني الذي يتفرع منه أردوغان سنصل إلى إجابات شافية بخصوص كل ردود الأفعال المنكرة والصادمة التي صدرت عنه في السنوات الماضية.
تؤكد إحدى الدراسات التاريخية لصاحبها الدكتور جمال شاهين أن « السلاجقة هم أجداد يهـود الدونما الذين عاشوا في تركيا، وكذلك أجـداد العثمانيين الذين شوّهوا صورة الإسلام السمحة ومازالوا».
ومن يعود لتاريخ الحروب العثمانية وانحطـاط أخلاق الجيش العثماني، واعتماد آل عثمان في احتلال البلدان على الحرق والتدمير والقتل وقطع الرؤوس والصلب والخوازيق، والنهب وسبي النساء وبناء القصور، يعرف من أين جـاءت التنظيمات الإرهابية مثل داعش وقبلهـا تنظيم القاعدة وصولاً إلى جبهة النصرة التي يقاتل معها جيش النظام التركي حالياً على جبهة إدلب ضد الجيش العربي السوري.
تضيف الدراسة: «لقد نجـحَ العثمانيـون للأسف في تصوير «الإسلام» على أنه دين دموي همجي عدائي مُتخلّف لا يمكن التعايش معه».
وما من شك أن ما قام به أردوغان خلال السنوات الماضية من الحرب على سورية يشكل أكبر خدمة لأعداء الأمتين العربية والإسلامية وخاصة الكيان الصهيوني الذي يحتل الأرض ويغتصب الحقوق، ويتمادى بدعم التنظيمات الإرهابية الأشد تطرفاً وإجراماً والأكثر ارتباطاً بالكيان الصهيوني وأجنداته التخريبية، وقد برهنت سنوات الحرب في سورية على وجود تكامل في الأدوار بين النظام التركي والكيان الصهيوني بهدف تمزيق الأمتين العربية والإسلامية وتحويل الصراع من عربي ــ صهيوني إلى صراع عربي ــ عربي كما يحدث اليوم في ليبيا، حيث تتواجه مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة مع دويلة قطر المدعومة من تركيا، وتهدر أموال العرب وثرواتهم في سبيل تدمير هذه الدول العربية الغنية وتبديد وسرقة ثروات شعبها، أو تحويله إلى صراع عربي ــ إسلامي، حيث ثمة دول عربية «خليجية» تضع نفسها في مواجهة غير مبررة مع الجمهورية الإسلامية في إيران في الوقت الذي تسعى فيه للتطبيع المذل والمجاني مع الكيان الصهيوني على حساب الحقوق العربية المهدورة.
كما استطاع هذا النظام الإخواني المجرم المتاجرة بالأزمة في سورية عبر الزج ببعض السوريين الخونة والعملاء في مواجهة مباشرة مع دولتهم وجيشهم الوطني خدمة لمصالحه وسعيه لاستعادة عرش السلطنة المأفونة، في حين سبق له أن سوّق نفسه وما يزال «زوراً وبهتاناً وتضليلاً» كأكبر داعمي القضية الفلسطينية، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن نظام أردوغان يقيم أفضل العلاقات مع الكيان الصهيوني عدو الشعب الفلسطيني والساعي لتصفية قضيتهم وهضم حقوقهم وتشريدهم خارج وطنهم.
تقول الدراسة نفسها في سياق تفسيرها للجرائم التي يرتكبها نظام أردوغان حالياً بحق السوريين، إن تركيا واحدة من أكثر دول العالـم ارتكابـاً للمجـازر عبر التـاريخ ثم تورد إحصائية موثقة ودقيقة تظهر فيها حقيقة هذا النظام الإرهابي وجذوره، وماذا فعل أسلافه بشعوب المنطقة، حيث أبـادت السلطنة العثمانية البائدة ووريثتها تركيا الحالية الملايين من أصحاب القوميات والأديان الأخرى بما في ذلك المسيحيون والمسلمون، منهم: الأرمن، اليونانيون، البلغار، الجورجيون، الروس، الكلدان، الآشوريون، السريان، العرب، الفرس.
مجازر الأتراك بحق شعوب المنطقة
فيما يلي عرض بسيط ومختصر قدمه مركز فيريل لجرائــم الأتــراك وأجدادهم وأذنابهم في المنطقة:
ــ مذابح في حلب ومعرة النعمان عام 1515 استمرت سبعة أيام، قتل فيها نحو 40 ألفاً في حلب، و 15 ألفاً في معرة النعمان.
ــ مذابح في دمشق عام 1516 بحق المسيحيين والمسلمين لثلاثة أيام، قتل فيها عشرة آلاف، وكذلك مجازر مماثلة في ريف إدلب وحماة وحمص والحسكة قتل فيها 35 ألفاً.
ــ 1517 مذابح أخرى في حلب قتل فيها ما يزيد عن 50 ألفاً، عقب صدور الفتاوى الحامدية.
ــ مذابح بدر خان بحق الآشوريين عام 1847، قام بها السفّاحان أميرا حكاري وبوهتان، بإيعاز من السلطان العثماني، قتل 10 آلاف آشوري في منطقة حكاري.
ــ من 1840 حتى 1860: مذابح الستين بحق المسيحيين في لبنان في منطقة حاصبيا والشوف والمتن وزحلة قتل فيها أكثر من 12 ألفاً.
ــ مذابح في دمشق 1846، قتل فيها 11 ألفاً، وفي اللاذقية 6 آلاف. ثم مذابح القلمون، وفي معلولا، صيدنايا، رنكوس، جبعدين، معرة صيدنايا، تلفيتا، قتل فيها 20 ألفاً.
ــ مجازر ديار بكر وطور عابدين عام 1895بحق الأرمـن قتل فيها أكثر من 15 ألفاً.
ــ مجازر في آضنة عام 1909 قتل فيها 30 ألف أرميني على يد السفاحين العثمانيين.
ــ بين 1914 و1916: ارتكبت مجازر تسببت بمقتل 600 ألف سـرياني في منطقة جبال طوروس وجبل آزل.
ــ بين عامي 1915و1916 ارتكبت مجازر بحق الأرمن، قتل فيها مليون وربع المليون في ديار بكر، أرمينيا، أذربيجان، شمال العراق، الأناضول، أضنة، طور عابدين، طوروس.
ــ بين عامي 1914و1920م ارتكب العثمانيون مذابح سـيفو، بحق السريان والآشوريين.
بين عامي 1914 و 1923 ارتكبت مذابح بحق اليونانيين البونتيك، وقتل على أثرها أكثر من 350 ألف يوناني.
ــ وبين عامي 1937 و 1939 ارتكبت مذبحة درسيم (تونجلي) قتل فيها 60 ألفـاً.
ما يؤكد أن تركيـا العثمانية مسؤولة عن قتـل ما يزيد عن 6 ملايين إنسان وتشريد 24 مليوناً آخرين، ومع ذلك يتبجح أردوغان ويدعي بأنه يدخل إلى سورية وليبيا ويعتدي عليهما بدعوة من شعبيهما فيما هناك داخل تركيا من يكذب أردوغان ويكشف زيفه وادعاءاته الباطلة حيث لم يوفر بعض المكونات التركية من مجازره بسبب ولعه في السلطنة وطموحه المريض لإعلان نفسه خليفة عثمانياً جديداً.