ولم يستطع ملكهم فيليب السادس شقّ طريقه نحو البلدة وإنقاذ أيٍّ من مواطنيه، ما اضطرهم للاستسلام.
غضب الملك على أهالي كاليه بسبب ما أظهروه من بسالة ومقاومة منقطعة النظير وأمر بقتل جميع أهلها، فتقدّم ستة من كبار مواطنيها وجاؤوا إلى بلاطه حاسري الرؤوس حفاة الأقدام والحبال في أعناقهم ليعدمهم افتداءً لأهالي المدينة، وعندما قرّر إعدامهم تدخّلت زوجته «الملكة « وتوسّطت لديه للعفو عنهم.
وفي عام 1885، أي بعد مرور أكثر من ستّة قرون على الحادثة، كلّف مجلس بلدية كاليه النحّات المشهور أوغست رُودان بصنع تمثال جماعي من البرونز يكرّم ذكرى أعيان كاليه ويخلّد بطولاتهم وتضحياتهم.
وقد استغرق العمل على التمثال الضخم حوالي سبع سنوات، وهو يصوّر الرجّال الستّة لحظة خروجهم إلى مخيّم الملك بانتظار موتهم المفترض، ويظهر الرجال في التمثال بأقدام حافية وأسمال رثّة وأجساد هزيلة من أثر الجوع وهم يحملون مفاتيح المدينة بينما تلتفّ الحبال حول رقابهم.
ومن الملاحظ أن رُودان حرص على إبراز شخصيّة كلّ رجل على حدة، الرجل الملتحي وسط المجموعة، يمثّل نقطة الارتكاز في العمل، حركات الأجساد والرؤوس والأيدي تشي بردّ فعل كلّ منهم على ما قد يحدث تالياً، لكنهم جميعاً يبدون في حالة يأس وانكسار.
لم يُغفل الفنان حتى أدقّ التفاصيل في التمثال، بدءاً من العضلات المتشنّجة إلى الأوردة النافرة وخصلات الشعر والحبال الملتفّة. حيث يظهرهم التمثال في حالة كرب وإنكار، فقد كانوا جميعاً يتوقّعون موتاً وشيكاً، ولم يدركوا أن القدر سيتدخّل في اللحظة الأخيرة لإنقاذ حياتهم.