|
نحن بريئون من جرائم إسرائيل الغارديان ولنكن واضحين ونقول إن دعم اليهود خارج وداخل إسرائيل للحرب كان واسعاً ومثبطاً للهمة بشكل كبير، وهذا يطرح السؤال التالي: هل تقدر الأصوات اليهودية المنتقدة المتزايدة على إثارة تغيير حاسم في تيار الرأي اليهودي الرئيسي؟ إن نظرة عقلانية على التطورات قد تمنح سبباً للأمل. أولاً: هناك نشاطات في دول كثيرة وتزايد لدعم جماعات السلام اليهودية «يهود أوروبيون لأجل سلام عادل»، وهي فيدرالية مؤلفة من عشر دول تضم هكذا منظمات، تحدثت في تقاريرها عن الكثير من المبادرات في أوروبا، وبالمقابل قامت مجموعة «أصوات يهودية مستقلة» و«يهود لأجل العدالة للفلسطينيين» وجماعات أخرى في المملكة المتحدة بالاحتجاجات والاجتماعات ونشر الإعلانات في الصحف والمشاركة في المظاهرات، وفي كندا واستراليا نشرت مجموعة «أصوات يهودية مستقلة» تصريحات واحتل المتظاهرون اليهود والإسرائيليون في تورنتو ومونتريال وبوسطن القنصليات الإسرائيلية، كما كانت جماعات السلام في الولايات المتحدة تعمل بنشاط متزايد. وهذه المجموعات إلى جانب تلك الإسرائيلية تشكل تياراً تحتياً من الاحتجاج القادر على إحداث قعقعة في القيادة اليهودية. ثانياً: اتخذت بعض المجموعات اليهودية موقفاً مهماً، ففي الحادي عشر من كانون الثاني حملت الصفحة الأولى في «أوبسيرفير» رسالة من حاخامات وأكاديميين وشخصيات اجتماعية مهمة في الحياة اليهودية في المملكة المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار، وفي ألمانيا كتبت رسالة بقلم خمسة وثلاثين مؤيداً لمجموعة «صوت يهودي لسلام عادل» تطالب بوضع نهاية للقتل في غزة وقد نشرت في 17 كانون الثاني في صحيفة «جنوب ألمانيا» التي تعتبر من الصحف الرئيسية في الدولة حيث الانتقاد العلني لإسرائيل يعد أمراً صعباً على أي شخص ناهيك عن الجماعات اليهودية. ولكن الأكثر تأثيراً هو ذاك الموقف المعادي للحرب الذي اتخذه «ج ستريت» اللوبي الليبرالي الأميركي الجديد الداعم للسلام والداعم لإسرائيل، الذي يتحدى وبقوة اللوبي اليميني الإسرائيلي «آيباك» وقد جمع (ج ستريت) الكثير من الدعم ورحب بتعيين باراك أوباما ل «جورج ميتشل» كمبعوث للشرق الأوسط، والنتائج الإيجابية للتشريع اللاحق للمعارضة اليهودية في الولايات المتحدة ستكون مهمة. ثالثاً: هناك مؤشرات على بلبلة ضمنية وسط الرأي اليهودي الداعم لإسرائيل والذي يكون عادة متماسكاً. ففي 2 كانون الثاني كتب «آنشيل بفيفير» في صحيفة هآرتس: (مع اضطرابهم وألمهم الكبيرين لحجم الدمار وموت المدنيين... يقولون (أي هؤلاء اليهود) إنه يجب أن تكون هناك طريقة أخرى لعمل ذلك، وهم يعيشون مع هذه الشكوك، التي غالباً لا يفصح عنها، حتى ضمن العائلات والأصدقاء المقربين، لأن أسوأ ما اكتشفوه هو أن الآخرين حولهم لايبدون مدركين للفوارق الدقيقة المختلفة، ولا يجدون في أنفسهم الشفقة على الموتى والجرحى في الجانب الآخر) و«بفيفير» ليس وحيداً في إحساسه بهذا المزاج الذي يفترض أن إسرائيل أضحت قريبة من خط الخطر الذي لايمكن حتى لأشد مؤيديها المضي لما ورائه. ويمكن الوصول إلى استنتاجين مشجعين: أولاً، على الرغم من أن معظم اليهود يبدون جفلين من الحقيقة ومعتنقين للبروبوغاندا الأوروبية «الحرب هي السلام» فإن الشكوك تتزايد، والمنشقون اليهود الساعون للغة ملائمة لإقناع الرأي العام الرئيسي اليهودي بأن إسرائيل تسير في الاتجاه الخاطىء يرون أن هذه الجهود قد تثمر. ثانياً: جماعات السلام المعارضة قد تكون مستقلة بعناد وفعالة، ولكن التعاون خلال حرب غزة أثبت قوته لذا من الجدير بالاهتمام محاولة خلق جماهير منتقدة تتوحد حول أهداف رئيسية وتعبر عن ذاتها بلغة تمكنها من الاتصال مع تيار الرأي الرئيسي اليهودي، فإسرائيل معتمدة بقوة على ما يفكر به اليهود، وقادتها يسألونهم الدعم حين يواجهون أزمة داخلية أو يحتاجون غطاء لمغامرة عسكرية جديدة، وليس من المغالاة التفكير أن الرأي اليهودي قد ينقلب بشكل حاسم ضد المسار الإسرائيلي الحالي، وهذا قد يهز الحكومة ويساعد على تغيير حقائق الشرق الأوسط. إذاً من دمار غزة والفشل الإسرائيلي الذي مثله، قد تبرز المعارضة اليهودية كقوة أكثر فاعلية. ملاحظة تحذيرية أخيرة: المعارضة اليهودية لحرب غزة لم تكن مختلفة من الناحية النوعية عن غيرها من المعارضات ولم تكن أكثر أهمية من التجربة الرهيبة لشعب غزة، ولكن عندما تترجم هذه المعارضة إلى تغيير للرأي اليهودي سيكون لها التأثير المعدل لإسرائيل وهذا سيفيد الفلسطينيين الذين يستحقون إنهاء فورياً للحصار والاحتلال، ولليهود الذين يستحقون إنهاء فورياً للعداء ضد السامية بعدما أثارته حرب إسرائيل وفي النهاية سيؤدي الأمر إلى أن إسرائيل ستعيش بسلام مع جيرانها. الكاتب هو أنطوني ليرمان المدير السابق لمعهد أبحاث السياسة اليهودية.
|