|
كلمـــــة الســــــر آراء ويبدو أنه أحس بحرج مماثل، فهو لا يعرف شيئاً عن سورية، فسألني ما اسم عاصمة سورية؟ ووجدتني أسأله بدوري ما عاصمة جنوب إفريقيا؟ فقال: كيب تاون، فكان رد فعلي العفوي: كويتزي، أنت من بلد الكاتب الرائع كويتزي الذي أبدع رواية الخزي، وحصل على نوبل. للحال زالت الحواجز بيننا، وتدفق الحديث عن أعمال كويتزي... كان لكويتزي قوة سحرية في إزالة حواجز كثيرة بين كاتبين كانا بالنسبة لبعضهما كصندوقين مغلقين. كتاب آخر هو بجعات برية للكاتبة الصينية يونغ تشانغ، كان له مفعول سحري في إزالة الارتباك والحواجز بيني وبين كاتبة صينية... في الواقع التعارف مربك، وخاصة بين أناس يلتقون للمرة الأولى، وكل من بلد وثقافة مختلفة عن الآخر، وكل يحمل كمّاً من التجارب المختلفة... لذا فإن إيجاد وصفة سحرية تبدد تلك الحواجز بومضة برق يبدو أمراً أشبه بمعجزة، والذي يحقق تلك المعجزة هم المبدعون... إن ذكر اسم رواية أو اسم كاتبها قادر على صهر كل اختلاف وإحساس بالغربة بين الناس. كاتب آخر من الأرجنتين، حين عرف أنني عربية، قال في الحال: نجيب محفوظ... وأخبرني أنه قرأ الثلاثية وأبهرته.. وقرر أن يزور مصر بعد قراءته الثلاثية، وفعلاً سافر إلى مصر، وشعر أنه عرفها أو زارها من قبل، لأنه تعرف عليها من خلال ثلاثية نجيب محفوظ.. إن هؤلاء المبدعين هم أصدق من يعبر عن أوطانهم، ألم تقدم ثلاثية نجيب محفوظ أعمق وأصدق صورة عن المجتمع المصري بتحولاته خلال أكثر من نصف قرن؟ ألا تغني قراءتها عن قراءة أطنان من كتب علم الاجتماع لفهم المجتمع المصري؟ أوليست رواية بجعات برية التي تحكي عن التحولات التي طرأت على نظام الحكم والحياة الاجتماعية في الصين من خلال رصد وسرد حياة ثلاثة أجيال الجدة والابنة والحفيدة هي أصدق صورة لفهم ومعرفة ما حدث في الصين في تلك الفترة؟ ومن يريد أن يتحدث عن روسيا منذ قرن، ألا يتفتق بذهنه للحال اسم دوستويفسكي وتولستوي؟ أليس الأدب هو الذي يخلد روح المجتمع وينقلها من جيل إلى جيل... أليس الأدب هو الذي يؤسس لما نسميه حوار الحضارات، وحوار الثقافات؟ في مؤتمر الكتابة العالمي الذي حضرته في جامعة أيوا في أميركا، والذي ضم أكثر من ثلاثين كاتباً وكاتبة من جنسيات مختلفة، كانت كلمة السر التي تزيل الحواجز بين الكتاب هي أسماء مبدعين، وأسماء كتب مشهورة وخالدة. إن ما حكاه لي كاتب السيناريو من جنوب إفريقيا عن الحياة والعقلية في ذاك البلد كنت أعرفه تماماً من خلال كتب كويتزي. أليس هؤلاء المبدعون هم سفراء بلادهم، وأصدق من يعبر عنها؟ إننا ننسى أسماء سياسيين، وأبطال حروب، لكننا لا ننسى أسماء مبدعين.. من يتذكر اسم الحاكم في زمن بيكاسو، أو فان كوخ أو دوستويفسكي؟! وهنا لا يمكنني سوى الإصرار والتأكيد على دور الترجمة في فتح آفاق بين الثقافات والشعوب، فكم من مبدعين يستحقون أن تترجم أعمالهم لتكون سفيرة النوايا الحسنة والصادقة لبلادهم.
|