فالموقف الأميركي خبا زخمه بعد التصعيد السابق بالمطالبة بإسقاط النظام، إلى دعم عصابة ( اسطنبول ) وحثّ المعارضة على التسليح ، ومن ثمّ التراجع التدريجي انتهاء بتصريح وزير الدفاع الأميركي الذي اعترف به بتماسك النظام السوري ، وقوّة الجيش الوطني ، وأن التدخّل العسكري في سورية سيكون خطأ فادحاً .
وكذلك الموقف الفرنسي العدائي الذي بدأ بتصريحات / ساركوزي وجوبيه / التي حملت الإساءة إلى سورية قيادة وشعباً، إلى احتضان المعارضة وضرورة دعمها لإسقاط النظام ، من ثمّ التراجع إلى حدّ تصريحات / جوبيه / الأخيرة التي اعترف فيها بأنّ فرنسا أخطأت بتقدير قوّة الرئيس الأسد مع شعبه وأن تسليح المعارضة قد يؤدي إلى حرب أهلية خطيرة. ومن جهة الموقف التركي فقد بدأ بالانحدار بعدما تكشّفت مواقف حكومة أردوغان العدائية لسورية ، أمام شعبها وشعوب العالم أجمع ، وهذا ما برز من خلال تصريحات القوى السياسية والأحزاب المعارضة لسياسة /أردوغان / المشبوهة المرتبطة بالمشروع الصهيو-مريكي ) في المنطقة . وفي مقدّمتها حزب الشعب الذي طالب بمساءلة أردوغان أمام مجلس النواب عن سياسته العدائية لسورية ، واحتواء من يسمون أنفسهم بـ(المعارضة والجيش الحرّ ) داخل الأراضي التركيّة. ويبدو أن تلك التحولات في مواقف الدول المتآمرة والداعمة للمؤامرة ، اكتشفت قوة النظام في سورية وعدم القدرة على إضعافه أو اختراقه ، وأنّ المعارضة لم تكن في مستوى الدور الذي أنيط بها من حيث التجييش والتنفيذ ، ولا سيّما بعد تبنيها المواجهة العسكرية التي سمحت لتسلل عناصر من تنظيم القاعدة الإرهابي ، الذي أشارت إليه مصادر أميركية وأوروبية ، وقد يكون الدليل على ذلك تلك التفجيرات الإرهابية التي حدثت في دمشق وحلب ومدن أخرى ، وما أعلنته منظمة تكشف عن اسمها للمرة الأولى ( جبهة النصرة ) ذات التوجّه السلفي المتشدّد، والمرتبطة بالكيان الإسرائيلي . وهذا ما أفادت به تقارير تركية عن أنّ التفجيرات التي وقعت مؤخّراً في دمشق وحلب ( 17و 18 / 3 / 2012 ) ، هي من تدبير المخابرات الإسرائيلية والأميركية ، بعدما فشلت كل جهود أصحاب المؤامرة من العربان والأميركان والأوروبيين ، في الجامعة العربية ومجلس الأمن وجمعية الأمم المتحدة ، ومجلس حقوق الإنسان ، وخيبتهم في إصدار أي قرار ضد سورية .
أمّا الموقف الروسي ، فقد بقي متمسّكاً بثوابته التي تقوم على وقف العنف من أي طرف كان ، والبدء بحوار وطني بنّاء ، تشارك فيه أطياف المجتمع السوري كافة ، ومعارضة أي تدخّل خارجي في الشؤون السورية،وترك المجال للشعب السوري كي يقرّر بنفسه مستقبله السياسي ونظام الحكم الذي يرتضيه ، استناداً إلى خطوات الإصلاح التي بدأها الرئيس بشار الأسد . ولذلك كان الرفض الروسي إلى جانب الرفض الصيني لأي قرار أممي يتعارض مع هذه الثوابت ، إلى أن استطاع مجلس الأمن أن يصدر بياناً وليس قراراً ، في (21/ 3 / 2012 )،حيث أكّد البيان ضرورة وقف العنف من أي مصدر كان ، والبدء بحوار وطني شامل . وبالتوازي ، أصدر مجلس الأمن في الوقت نفسه بياناً آخر ، وبناء على اقتراح روسي ، يدين بأشدّ العبارات التفجيرات الإرهابية التي استهدفت دمشق وحلب ، ويؤكّد ضرورة مكافحة الإرهاب بأشكاله المختلفة ، لأنّه انتهاك لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة .
وأمام هذه المواقف / الإيجابية والسلبية / كان الموقف السوري الثابت ، الواثق بقدرته على تجاوز الأزمة / المؤامرة مهما اشتدّت ضغوطاتها وكثرت أدواتها، فكانت القيادة السورية تستجيب لأي مبادرة إيجابية تهدف إلى المساعدة في حلّ الأزمة ، بدءاً من التعاون مع بعثة مراقبي الجامعة العربية في 22/ 12/ 2011 ، إلى الاستجابة لمساعي المبعوث الأممي ( كوفي عنان ) وإبداء الاستعداد للتعاون معه، واستقبال لجنة فنية تابعة له لدراسة الأوضاع في سورية ، والإسهام في إيجاد الحلّ المناسب ، بينما ترفض /المعارضة وأسيادها هذه المبادرات وظلّت على عنادها والتنكّر لأي خطوة إصلاحية أو حوارية .. ومن جهة أخرى ، فإن السلطات السورية جادة في القضاء على الإرهاب وأدواته المجرمة ، وهذا من حقها وواجبها ، لإعادة الأمن والاستقرار إلى مدن الوطن ومناطقه وتطهيرها من العصابات المسلّحة، والبشائر على ذلك واضحة للعيان ، ومشاهدات الأهالي وارتياحهم في حمص وإدلب وحماة . وغيرها ، من المناطق التي شهدت أحداثاً تخريبية وترويعية بفعل المجموعات الإرهابية، ومن يسمون أنفسهم (الجيش الحر) .
ولم يختلف موقف الشعب السوري الأصيل عن موقف قيادته ، حيث يعبّر الشعب في كل يوم عن تمسكه بها ودعم مواقفها في مواجهة المؤامرة، واستعداده لتقديم كل التضحيات من أجل سيادة سورية ومقاومة الإرهاب ، ورفض أي تدخّل خارجي في شؤونها . وهذا ما بدا واضحاً في التجمعات الشعبية والمسيرات المليونية المؤيدة لمسيرة الإصلاح والتمسّك بالوحدة الوطنية ثلاثية الأركان ( القيادة والجيش والشعب) هذه الوحدة التي تشكل السياج الحصين لصون الوطن الغالي ، ومن مظاهر الوحدة الوطنية الرائعة ذلك المسير الرائع ، بمشاركة رجال الدين من جميع الطوائف والجماهير الشعبية ، إلى مكان التفجير الإرهابي في حي القصاع بدمشق مساء الأربعاء ( 21/ 3 / 2012) وسط أضواء الشموع وأصداء هتافات الجماهير بحياة سورية وكرامتها وسيادتها ، ووحدة الشعب السوري (الشعب السوري واحد )، وذلك بعد إقامة الصلاة الكنائسية على أرواح الشهداء والدعوات لشفاء الجرحى من جراء العملية الإرهابية الآثمة .
والسؤال :ماذا بعد .. ؟ ماذا يفعل مديرو المؤامرة وأدواتها التنفيذية في الداخل والخارج ، ولا سيّما العربان في مجالسهم وجامعتهم التي أثبتت فشلها وخبا صوتها كما البرق الخلبي، وعندما بدأت أدوات المؤامرة تضعف بحجمها وقوّتها الوهمية حيث أثبتت الأحداث أنّها ليست سوى طبلة جوفاء ، يتردّد أصداؤها في الوسائل الإعلامية المضلّلة / المأجورة التي أكّدت ضلوعها في الحرب المعلنة على سورية ، كما الجزيرة والعربية والمشرق ، و الفرنسية وال» بي.بي سي» . لقد سقطت رهانات المعارضين والداعمين ، وفشلت أهداف مخططي المؤامرة وأدواتهم المأجورة، وهي تنحدر خطوة خطوة إلى الهاوية ، مقابل ثبات الموقف السوري دولة وشعباً ،وتصاعد انتصاراته على الشر والإرهاب،لأنّه موقف وطني وحقّ مقدّس ،والنصر أبداً للحق والهزيمة للباطل ، «إنّ الباطل كان زهوقاً ».