إنها صيحة للراشدين والحكماء أصحاب الرؤية الواعية والفهم السليم لدروس التاريخ وعظاته, فما يحدث الآن هو بلطجة الامبراطور بوش وزمرته, إذ تنتشر قواته عبر 725 قاعدة عسكرية في العالم, ويمتلك 10 حاملات طائرات , بالإضافة إلى القواعد السرية التي تراقب كل كلمة ينطق بها البشر بمن فيهم الأميركيون أنفسهم وتتابع أقمار واشنطن الاصطناعية أي تحركات تجري في أي بقعة من الأرض. ثم نأتي إلى البلطجة الأولمرتية التي تحوي كل شرور الإنسانية تحت رداء حماية السامية, وتتمسك بالقوة العسكرية كحل وحيد لمشكلاتها, وتعتقد أن التطرف الحاد في مواقفها وسلوكها هوالسبيل الوحيد لفرض ارادتها الإقليمية, وانطلاقاً من مبدأ أن (زمرة) الإدارة الأميركية يفهم بعضهم بعضاً, فإن بوش متفهم لما يقوم به أولمرت, ولذلك يجري التعاون بينهما لفرض البلطجة الإقليمية.
هذه البلطجة أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني, وافتقاد الأمن والاستقرار الدوليين, لأنه من المعروف أن التطرف يولد تطرفاً في المقابل, والعنف يولد عنفاً والقسوة تبعث القسوة المضادة, والانتقام يعود بالانتقام, والضغط يولد الانفجار, والكيل بأكثر من مكيال يزرع الظلم والقهر ويجني الكراهية والتطرف ويثير العنف, والتخلي عن الحكمة والعقل يزيد من حالة التورط في القتل, ويؤدي إلى مزيد من الصراع, ويزيد من صعوبة التوصل إلى الحلول السلمية.
كل هذا أدى إلى مايواجهه العالم الآن من قضايا مستعصية على الحل, الكل فيها خاسر طالما ظل أطرافها متمسكين بمواقفهم المتطرفة, ومقتنعين بأن الآلة العسكرية هي الحل, صور لهم فكرهم (المريض) أن القتل والتنكيل بالجثث طريقهم لردع العقلاء, وها كم مثالاً يحتاج إلى اتحاد العقلاء بالعالم,و تدخلهم لإقناع (زمرة) بوش بالحلول الأخرى للصراعات والأزمات الجارية, ففي العراق تبدت فشل الاستراتيجية (البوشية) وسياسة الإدارة الأميركية, فمنذ إعلان بوش توقف العمليات الحربية الأميركية رسمياً في العراق, كانت النتيجة أن شعب العراق لم ينعم بالاستقرار والأمن, بل واجه الدمار والفوضى في كل مكان, وأصبح تراب العراق قاب قوسين أو أدنى من التقسيم إلى دويلات, وقد لايجمع هذه الدويلات شيء سوى فرض سطوتها على الأراضي التي اقتطعتها من العراق, والصراع على ثروته ومصادر دخله.
لقد تمزق شعب الرافدين بفعل فاعل, ويتحمل بوش وزمرته من المحافظين الجدد الوزر, وزر كل ماجرى بالعراق.
هكذا كانت إدارات أميركا دائماً وخاصة منذ ذهب الاتحاد السوفييتي السابق, فانتهى إليها القرار والتقرير في شؤون العالم منفردة لاشريك لها, لكن إدارتها الحالية فاقت سابقاتها جميعاً في الذهاب بشهوة السلطة المطلقة على الأرض ومن فيها إلى حدود خرافية وغير مسبوقة, ومع أن أميركا منحت نفسها, والمنتصرين معها في الحرب العالمية الثانية, حقاً (قانونياً) في السياسة الدولية هو حق الفيتو ( النقض) الذي ظلت تحتكر استعماله( واليوم على نحو أكبر) وأن هذا الحق يبررلها بكل أسف انتهاك سيادة الدول والتدخل في استقلالية قرارها باسم القانون والشرعية الدولية, إلا أن ذلك ماكان يكفيها كما لم يكن ابتداع (حق التدخل) لأسباب (إنسانية) ليشبع نهمها الشديد للتدخل في كل صغيرة وكبيرة في دواخل المجتمعات والدول وها هي اليوم تقوم بإنفاذ أحكام شريعتها بعد أن أعيتها الحيلة لتسخير شريعة القانون الدولي لحسابها من دون حساب.
وصفها مفكروها الأميركيون الأحرار من أمثال نعوم تشومسكي, بأنها دولة خارجة على القانون الدولي, وكذلك فعل أصدقاؤها في الغرب (من يتذكرما قاله دومينيك دوفيلبان الفرنسي مثلاً قبل أربعة أعوام ونيففي مجلس الأمن وهي تحاول استصدار قرار بغزو العراق أوتطويع القرار 1441 ليسمح لها بذلك? لكن أكثر من يدرك خروجها على القانون هم أولئك الذين وقع عليهم فعل قانونها على أوطانهم وأرواح ودماء شعوبهم, ليس على الشعب الأفغاني أن يتحرر من نظام حكم »طالبان) بل على أميركا أن تقوم بذلك حين تقتضي مصلحتها, وليس للشعب العراقي أن يقرر ما إذا كان نظامه شرعياً أم ينبغي تغييره من الداخل, أميركا تقرر ذلك وقس على ذلك في يوغسلافيا وفي جورجيا وصولاً إلى أوكرانيا.
لاحرمة لأي دستور ولأية شرعية ولأية صناديق اقتراع ولأية سيادة شعبية في عرف إدارة المحافظين الجدد, فأميركا أي إدارتها وحدها تملك الحق الحصري في تحديد من له الشرعية وليست لديه.. و»سحقاً) للدساتير والشعوب والبرلمانات!
إليكم عينه: إدارة بوش مع رئيس السلطة الفلسطينية ضد الحكومة ورئيسها, ولاقيمة عندها للقول إنها حكومة منتخبة! وهي مع حكومة لبنان ضد رئيس الجمهورية, ولاقيمة عندها للقول إن قرار التمديد وقع عليه رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري وأقر دستورياً ونيابياً.
ثم إنها مع المعارضة الكوبية والمعارضة الفنزويلية ضد الرئيسين فيديل كاسترو وهوغو شافيز, ولاقيمة عندها للقول إن كاسترو يحظى بشرعية وطنية وشافيز يحظى بشرعية ديمقراطية. مع الإسلاميين في بلد ضد العلمانيين ومع العلمانيين في بلاد أخرى ضد الإسلاميين, مع برويز مشرف ضد المعارضة الباكستانية, ومع المعارضة الإيرانية ضد محمود أحمدي نجاد, مع قانون الطوارىء في بلد وضده في بلد آخر, ومع حقوق المرأة هنا وضدها هناك .. الخ?!
كيمياء سياسية (سحرية) عجيبة فاضت معانيها عن كل مفهوم براغماتي أنتجه العقل البشري, لكن وراء هذه الكيمياء السياسية, أو هذه الأخلاقية السياسية الفريدة, نهم لممارسة السلطان والقوة لم تشهده أية امبراطورية في التاريخ مهما علا بطشها وفشا في الأرض خرابها!
لذا, على عقلاء العالم أن يتحدوا ليعيدوا للأمم المتحدة قيمتها وهيبتها ودورها في حفظ السلام والأمن الدوليين, وفك أسرها من بين أيدي الامبراطورية الأميركية والعمل على استعادة قيم ومبادىء القانون الدولي المنتهكة والمفقودة.
وإذا كان أحد مجانين الحرب العالمية الثانية يقول إنه توجد ثلاث طرق لحل الصراع مع الأعداء والخروج من الأزمات المستعصية وهي: القتال, أو التفاوض, أو تصميم طريق ثالث.. فماذا يقول عقلاء العالم الآن إذا اتحدوا?!
يقول برناردشو: الناس صنفان.. عقلاء ومجانين.. وللأسف الشديد المجانين فقط هم الذين يغيرون العالم.. ولكن للأسوأ ! فعلى عقلاء العالم أن يعيدوهم إلى صوابهم. ياعقلاء العالم اتحدوا في مواجهة» مجانين) هذا العصر.