إذاً قد لا نستغرب كل ما سبق، فتلكَ قوى شريرة تحبُّ الدمار؛ لكن ما بال بعضنا يدمّرُ الجسور، الجسور التي بناها بنفسِهِ أو نشأت بينَهُ وبين سواه من البشرِ، قرأتُ ذاتَ يومٍ لشاعرٍ غَربي لم أعد أذكر اسمه مقطعاً جميلاً يقولُ فيه:
(ما أروعَ الجسور / إنّها تعملُ بلا توقّف / تجري من تحتها الأنهار / وفوقها تجري أنهارٌ من السيارات؛ / جسر نيويورك... جسر باريس / حتى ولو كانت الجسور لا تحملني إليكِ فقد أحببتُها كلها).
وأذكُرُ أن شاعِراً تُركيّاً قديماً كتبَ ذات يوم:
(كراهيّةُ الليل إثمٌ مبين / إنّما الليلُ جسرٌ أسود بين نهرين / أحد طرفيهِ المساء / والطرف الآخر منُهُ الصباح / لو لم يصنع الله هذا الجسر المتين / كيفَ نستطيعُ إذاً أن نُعبرَ من اليوم إلى الغد). إذاً فاللهُ نفسه يحب الجسور وهو يبنيها؛ ومن هذا المنطلق قد يرى المؤمنونَ مِنّا أنّ القرآنَ والإنجيل وغيرهما هي جسورٌ مَدّها الله بينَهُ وبينَ البشر...
ويرى الأدباءُ أن الكلمةَ جِسرٌ عظيمٌ بينهم وبين الناس الذين يقرؤون، ويرى العشّاقُ النظرةَ جسراً؛ والقبلةَ جسراً، ومِنّا نحن الكتّاب - ولا سيّما المترجمون - من يعيشُ حياتَهُ على جسرٍ! جسرٍ بين لغتين، بين قارتين، بين مدينتين، بين امرأتين!!
وقد يذهب الفلاسِفةُ أبعدَ من ذلك كُلّه كما فَعَلَ نيتشه في كتابه (هكذا تكلّم زردشت) فيقول: (العظيمُ في الإنسان أنّه جسر لا غاية! وما يمكن أن نحبّه أنّه (يمضي عبر) وأنّه (ينحدر)...)
فهل نُدمِّرُ الجسور أيّها الأحباء؟!
أم نبنيها بكل ما أوتينا من محبّةٍ وقوّةٍ وصبر؟!