ولأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إعلان العزم على وضع الأسس والمحددات لإصلاح القطاع العام عموماً والقطاع العام الاقتصادي على وجه الخصوص، فإن ما يثبت جدية هذا الأمر هو عدم التأخر في البدء بإنجاز الإجراءات العملية في هذا الاتجاه، للوصول إلى الهدف المنشود، والذي لا يحتمل الكثير من التأخير خاصة مع الظروف الاقتصادية الحالية وتداعيات الحصار الاقتصادي الجائر على البلاد من قبل دول العدوان..
ولعل أهم خطوة تنقل القطاع العام الاقتصادي إلى عتبة جديدة يعاد فيها بناؤه، وتعظم فيها مساهمته في عملية التنمية ويرتفع مستوى كفاءته وجودة خدماته، لكي نصل إلى هذه النتيجة، قد يكون من الأجدى أن يتم البدء بوضع تشريعات تنظم أداء هذا القطاع وفقاً للرؤية الجديدة التي تنطلق منها وثيقة الإصلاح هذه، بحيث تكون تشريعات تضمن له أداء أكثر مرونة وترفع من مستوى أدائه كماً ونوعاً، بعد أن توفر له الأدوات والمعطيات وظروف المنافسة مع باقي القطاعات (الخاص والمشترك)..
ذلك أن بعض مشكلات القطاع العام عموماً، والاقتصادي على وجه التحديد، ترتبط بشكل مباشر ببعض النصوص التشريعية التي عفا عليها الزمن، وبعض القوانين والأنظمة الداخلية والتعاميم وغيرها التي تحد من قدرته على المناورة والمنافسة واقتحام مجالات عمل جديدة، والدخول في مواجهات حاسمة مع باقي الفعاليات الاقتصادية في البلاد..
وهذا الأمر ينسحب على مختلف مجالات العمل في القطاع العام، سواء في الصناعة أم التجارة أم النقل أم غير ذلك..اليوم نحن أمام معطيات جديدة تفرض نفسها بقوة، وتتطلب أداء مختلفاً يبتعد في بعض من المناحي عن الشكل السابق للعمل في القطاع العام، هذا القطاع الذي أثبت أنه الأهم والأكثر ثباتاً ورسوخاً والذي ساهم إلى حد بعيد في تعزيز صمود البلاد في مواجهة الحرب العدوانية التي تشنها قوى البغي والعدوان منذ أكثر من ثماني سنوات..