تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صابرون على ما لا يطاق

المهماز
الأحد 20/5/2007
الكاتب الكبير زكريا تامر

اعتادت الآذان أن تسمع ما يسرّ وما لا يسرّ, وما يسرّ حصى, وما لا يسرّ جبال.

اعتادت النساء قديماً السكوت, ولكنهن اضطررن إلى التكلم بأصوات عالية لكونهن رأين رجالاً ذوي أفعال ترغم على الولولة والعويل ولطم الخدود.‏

اعتاد الجراد أن يهزأ بهؤلاء الذين يصفونه بأنه آكل الأخضر واليابس متناسين أنهم يأكلون آكلي الأخضر واليابس, ويأكلون أيضاً ما يقنع بأن أفواههم تملك في جوفها طواحين لا أسناناً وأضراساً.‏

اعتاد الناس ساعة يشترون سلعهم الغذائية التأكد من تاريخ الصنع وتاريخ الانتهاء, ولكنهم لا يعاملون ما سيدخل رؤوسهم مثلما يعاملون ما سيدخل معدهم وبطونهم.‏

اعتادت الطائرات الحربية الأميركية الإشفاق على المدن والقرى التي يمنعها كسلها من الرحيل من مكان إلى مكان, وتقصفها بغير رحمة بغية تخليصها من كسل ضار يبعدها عن الدمقرطة.‏

اعتاد الأطفال البكاء بوصفه خير وسيلة تمكنهم من نيل ما يرغبون فيه, وثمة زعماء يقلدون الأطفال, ولكنهم يذرفون الدموع مستجدين.‏

اعتادت الأمطار أن تهطل أينما شاءت ومتى شاءت, فالذي يعطي ولا يستعبد تليق به الحرية ويحق له التصرف كيفما شاء.‏

اعتاد عشاق الصحافة قراءة الجرائد القديمة بحجة أن أخبارها لا تزال طازجة وجديدة.‏

اعتادت الشمس أن تشرق كل صباح, فيُفسر سلوكها بأنه خضوع الأمي, فلو كانت تتقن القراءة لاستطاعت مطالعة الكتب التي تحرض على التمرد والعصيان ولتأثرت بها.‏

اعتادت الجياد أن تصهل لتقول إنها حرة, فتعامل معاملة العبيد لأن لا أحد من البشر يعرف لغتها.‏

اعتادت القرود النطنطة من شجرة إلى شجرة بحثاً عن طعام وحفاظاً على صحة أجسامها, ولكن القرود البشرية تنطنط من مبدأ إلى مبدأ باسم التطور الفكري والتلاؤم مع العصر ومتطلباته, وغايتها نيل أرباح جديدة.‏

اعتاد الرجال في السنين القديمة شراء القبور والعناية بها لوثوقهم بأنهم سيموتون في البلد نفسه الذي ولدوا فيه, أما رجال اليوم, فلا يأبهون للقبور, ويبحثون عن بلد بعيد يدفنون في ترابه.‏

اعتاد التلاميذ احترام أساتذتهم وتبجيلهم لأسباب لا علاقة لها بالعلم, فالأستاذ يدخن السجائر والتلميذ يدخن السيجارة والنرجيلة.‏

اعتاد المواطنون التذمر من كثرة المدارس والمستشفيات التي يبنيها الأغنياء, والتي باتت ترصد الجوائز المغرية لكل من يوافق على ارتيادها.‏

اعتاد الأدباء أبناء خير أمة أخرجت للناس والبالغ عددها زهاء المئتي مليون المواظبة على الكتابة على الرغم من أن عدد قراء أروج أديب لا يتجاوز العشرة آلاف.‏

اعتادت النساء شراء الكثير من الثياب, ولا سبب لهذه العادة المرهقة للجيوب سوى أن الأيام سود وبيض, والمناسبات كثيرة, وليس من المعقول أن ترتدي المرأة ثوباً أصفر في جنازة شريك عمرها.‏

اعتاد الصحافيون الشجعان قول الصدق ونقل ما تراه عيونهم بغير تجميل, فالقبيح قبيح والجميلة جميلة, ولكنهم يعترفون ويقرّون بعجزهم عن الوصول إلى ما في النفوس, فريش الطاووس قد يخفي خلفه أحياناً دبباً هائجة.‏

اعتادت الأنهار أن تسير في المجرى المحدد لها من دون أن تتخلى عن محاولاتها الطامحة إلى منح مياهها الحرية الشاملة التي تحوّل البيوت أنقاضاً.‏

اعتاد اللصوص في السنين القديمة أن تكون حياتهم توارياً عن الأنظار وهرباً ورحيلاً من سجن إلى سجن, أما في السنين الحالية, فمن لا يسرق تطلقه زوجته ولا يحترمه أولاده.‏

اعتادت الغربان أن تتجمع وتتحد لحظة يستغيث غراب من الغربان وتهرع إلى نجدته, ولكن الناس ليسوا غرباناً, فكلما دهمهم خطر ماحق تنازعوا وتفرقوا.‏

اعتادت الأمهات الساذجات تخويف أطفالهن الرافضين النوم بالغول, فابتدأ الأطفال تخويف أمهاتهم بغول آخر يقتحم غرف النوم بلا استئذان, ونجح الأطفال وأخفقت الأمهات.‏

اعتادت الرياح أن تهبّ بشراسة حين ترى أوراق الأشجار قد اصفرت, ولكن الحمقى من الناس يبادرون إلى جمع الأوراق الصفر المتساقطة من شجر الحكام وإلصاقها بأغصانها متوهمين أنهم يعيدون الحياة إلى من فقد الحياة.‏

اعتادت الأشجار المحبة للسياسة أن تتحادث معاً في الليل, فتسمع العصافير كل ما يقال, وتعتبره سراً, وتنساه حين يأتي الصباح.‏

اعتاد صغار الأدعياء ملاحقة الموهوبين والزعيق وراءهم أنهم غير معجبين بهم منتظرين صفعاً نزقاً لا يظفرون به, وتضطر أصواتهم المبحوحة إلى طلب العون من الفياغرا.‏

اعتاد الحزن أن يحرم الناس النوم, ولكنه تبدل حين تحالف مع الخوف, وأصبح جلاداً فظاً لا يرحم.‏

اعتاد الكسالى التثاؤب, لكن التثاؤب يهيمن على الكسلان والنشيط حين يخطب المخاتلون من رجال السياسة.‏

اعتاد ذابحو الخراف التكبير لحظة الذبح, فيكظم بعضهم غيظه واستنكاره لأن أصوات ذابحي الناس لا ترتفع بالتكبير والتهليل حتى يستطيع الجياع الانتفاع من اللحم.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي |  dalatione@hotmail.com | 20/05/2007 09:18

أنا في مجال عملي أنتصر للجيل الذي يصغر جيلي, فأعطيه زبدة خبرتي إنما لاأعطيه أدوات جيلي بل أصر عليه أن ينظر بأدواته هو, ولو نظرت لأموره بأدوات جيلي لتعذر الأمر وصرت بحالة لاتطاق مهما صبرت, إنها سنة الحياة في التغيير, وهنا أقول لكاتبنا الكبير أن جيله لم يكن ورديا, وجيل اليوم ليس سوداويا, والإثنين فيهما السلبيات وفيهما الإيجابيات, ففي القضايا الكبيرة لولا أن جيل الأمس رضخ لزرع إسرائيل بيننا, لما حصد جيل اليوم شوكة إسرائيل في خاصرتنا, وأقول أيضا أنه في جيل مضى كان الكتاب قلما ينقدون, وإن فعلوا مرة فبالرمز والإيحاء, أما اليوم فيستطيع القلم أن يخط السلبيات بل ويعجن بها, وهذا مايفعله كاتبنا الكبير اليوم كما لم يفعل بزمن جيله, ولأن الحياة دوارة فقد كانت الصحافة فعالة في جيل ومتقاعسة في جيل وهكذا دواليك, وإذا كانت القيمة في جيل الكاتب بالسلوك القويم , فقد كنا منغلقين بأسوار الوطن , أما اليوم فإن التقدم التكنولوجي والغزو الغربي الجديد دفعنا من غير استعداد لنمط الإستهلاك وقلب المفاهيم كما هو سلوك من يقوى علينا, فكان الإنفلات ظاهرة في جيلنا الحالي, وعلينا لوم كبير إذ أن جيل الأمس لم يمنح لجيل اليوم المسؤولية, ولم يسمح له بتحملها, واعتقادي لو كان كاتبنا من جيل اليوم وليس من جيل الأمس لربما فعل أكثر في سلوك السلبيات التي يكرر نقدها على منوال واحد وبصبر لايطاق.

سعد هاشمي |    | 21/05/2007 09:05

إلى أيمن الدالاتي ألا تمل ؟ ألا تشعر بالضجر من محاولاتك المكشوفة للظهور والبخترة ؟ قلت أنه لايهمك كاتب كبير من صغير .. !! هذا يدل على جهلك الصارخ .. لا أطلب منك الاقتناع بكلامي .. بل التوقف عن تشويه الشعور الجميل الذي أحسه بعد إبداعات زكريا تامر ( الكاتب الكبير ) شكرا إذا استجبت ..

الكويت هلال عون |  hilalaun.@yahoo.com | 21/05/2007 17:29

اي كاتب بامكانه ان يسرد حدثا شاهده واي صحفي يمكنه تفريغ الحوار الصحفي على الورق ويتفوق او يتراجع كل منهم حسب ادواته الفنية التي يمتلكها وحسه الذي يميزه . كذلك القاص والروائي والشاعر والرسام مع القصة والرواية والقصيدة واللوحة والتميز يكون بقدر الموهبة والادوات الفنية والحس المميز ... اما مايكتبة الاديب زكريا تامر في زاويته الاسبوعية فهو كما ارى العصارة والزبدة المستخرجين من الادب والرؤية والحكمة .. وهي اشبه ماتكون بالاقوال المأسورة وليقرأ له قصصه من لم يطلع على تفرده وابداعه القصصي

أيمن الدالاتي |  dalatione@hotmail.com | 22/05/2007 01:12

أخي الكريم سعد هاشمي المحترم بعد التحية: أنت لاتنقد مشاركاتي , بل تنتقد شخصي, والإنتقاد الشخصي ليس مكانه الجريدة الرسمية , بل الإيميل الشخصي وهو أمامك.

أحمد المصري |  ahmed22@lycos.com | 22/05/2007 01:38

تحياتي الحارة الى السيد سعد هاشمي المحترم الذي فهم سريعا النفسيات المريضة في مجتمعاتنا الشرقية تلك ... التي تحاول إحباط أية محاولة جمالية تشعرنا بلحب والحياة وبأن هناك أناس حقيقيون يحاولون إعادة الثقة والحياة لنا من جديد بعد أن فقدناها تدريجيا ، أمثال أستاذنا وأديبنا الرائع زكريا تامر .... الذي يحلق بنا الى الميتافيزيقيا ليرينا العالم الذي نعيشه كما هو من دون مساحيق ومن دون أكسسوارات مزيفة ... وارجو أن تكون ملاحظتك لذوي النفسيات المريضة قد وصلت وأتت أكلها .. حيث انها تحاول منذ زمن طويل أن تحشر نفسها في كل مرة وفي جميع المجالات ، بسبب أو بدون سبب بكلام إستعراضي وغير منطقي لتثبت للآخرين بأن لها رأي و شخصية ما شابه .... أي أصبحت الامور واضحة للجميع .... شكرا لكم جميعا .... مع خالص مودتي وتقديري .... أحمد

hala  |  halaall@hotmail.com | 22/05/2007 01:58

تحية طيبة وبعد ألف شكر على هذا العنوان الرائع الذي جذبني لأقرأ ماذا يخبء ورائه ... صور جميلة وخيال خصب واستعارات ومفارقات لاتنتهي .... الآن بدات أميز بين المقال الصحفي والمقال الأدبي شكرا على هذا المقال الأدبي الذي يعكس واقعنا ويدخلنا في عوالم ألف ليلة وليلة .... hala

ضياء |  deaa@yahoo.com | 23/05/2007 02:20

السلام عليكم شكرا على هذه الكلمات التي تحمل الكثير من المعاني ونرجو ان تلقى اذان صاغية

سمير  |  هل الدمقرطة تأتي بالقصف | 24/05/2007 15:03

اختلف معك يا سيادة الكاتب حول هذه الاستدارة.. عندما ذكرت بان الطائرات الحربية الاميريكية تشفق على الناس وقراهم لانهم قرروا عدم الرحيل واختاروا التشبث بقراهم ومدنهم وقد وصفتهم بالكسالى ،ثم ربطت واثنيت على هذا القصف بوصفك له على انه قصف وقتل من اجل الدمقرطة التي لاتريدها الناس بسبب كسلها .

فراس |    | 25/05/2007 14:24

أديبنا الكبير زكريا تامر أطال الله عمره لك مني جزيل الشكر على (تكسير الركب) هذا ، بالفعل اختصرت الكثير من الوقت بالقليل من الكلمات

محي الدين اسماعيل ...... صحفي  |  mh_esmaeel@hotmail.com | 26/05/2007 10:09

اخوتي الأعزاء أيمن وسعدو أحمد اليكم تحياتي الحارة جداً : بصراحة أحببت مشاركاتكم ولكن بالنسبة للأخ أيمن لماذا دائماً الهجوم على كتابات الأديب الرائع ذكريا تامر أتمنى أن تعرفه عن قرب أكثر بحيث تعرف ماهي هذه الجوهرة المكنونة لديه لا أقول يجب التسليم بكل ما كتب ولكن اعرفه أولاً ادرس طبيعة الأديب أو الشاعر الذي تقرأ له هكذا تردم الفجوة الموجودة بينك وبين أي شخص. بالنسبة لأحمد ليس النقد هكذا لانريد تشكيل عصابات للقراء, لاتأخذ ذلك من باب النقد ولكن يجب مراعات الآخرين ودراسة طبيعتهم لسنا دائماً على حق نتكلم ونعرف طبيعة محدثنا وعلى اساس ذلك كل يتكلم حسب ثقافته ورؤيته للمواضيع المختلفة, وليس كل من قرأ لزكريا تامر يعرف زكريا تامر . أما العزيز سعد هاشمي فلماذا المشاغبة أعرف أنك قرأت كل كتب الكبير زكريا تامر والتقيت معه أكثر من خمس مرات, وأنك حضرت أغلب ندواته ولكن بلطف على العباد يا عزيزي, ولكن وأنا في الغربة أرجوك أرجوك ارسال صورة الأديب ذكريا تامر أثناء محاضرته على مدرج جامعة دمشق العام الفائت والتي حضرتها

سعد هاشمي |    | 26/05/2007 10:37

إلى أيمن الدلاتي : عدت لتثبت جهلك من جديد ! لماذا ؟ أنا لا أعرفك حتى أنتقد شخصك وأنا شاعر وكاتب وصحفي وأجيد التفريق بين الفعل والفاعل. وحوارك على بريدك سيتطلب وقتاً .. زكريا تامر والاستمتاع بنتاج قلمه أحق بوقتي من مهاترات مراهقة معك. حبذا لو تهتم بالبناء والتنمية وفهم أبعاد كبار الكتاب والاستفادة منهم والظهور بشكل إيجابي وتترك معاول النقد والهدم للفارغين. وشكراً لك أحمد المصري .. أقدر معاناتك

.زيدان |    | 26/05/2007 18:42

مقالاتك أكثر من رائعة وهي درس بالغ لنا نحن معشر الصحاففيين . كيف تكتب المقالات الصحفية الأدبية السياسية والساخرة. هذا شئء جديد في الصحافة العربية حبذا لو يستفاد من هذه التجربة الفريدة النادرة ولكن هيهات تحياتي للكاتب الكبير أمد الله بعمره ومتعنا بكتاباته

ميادة |    | 27/05/2007 01:49

أريد أن أقول للسيد سمير ... أقرأ ما بين الأسطر وماوراء الكلمات .... وشكرا لاهتمامك مبادة

سمير |    | 18/06/2007 11:26

الى الاخت ميادة ، صحيح ان كتابات الكاتب السيد تامر تحمل في طياتها على الكثير من المغزى ، الا انه لايجب ان يكون هذا الطيران الحربي الاميريكي اسلوب او طريقة لمعرفة ما وراء السطور والكلمات . على انني احترم كثيرا كتابات السيد تامر واقدر وطنيته الكبيرة .

عبد الله محمد |   مدينة الارض | 22/06/2010 13:49

بسم الله الرحمن الرحيم ما لا طاق هو ان تكون جا هلا وما لا يطاق ان تظن نفسك انك عالم وما لا يطاق ان تبكي نفسك على جهلك وما لا يطاق ان بكاؤك بدون علم وما لا يطاف هو ان تعلم وتعمل بغير هدا العلم وما لا يطاق هو انك انسان من دون انسانية وما لا يطاق هو ان الانسان الدي يعلم ويعمل بما يعلم وليس جاهلا بل متعلما فهو لا يطاق بالنسبة لزما ننا

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 زكريا تامر
زكريا تامر

القراءات: 14087
القراءات: 7875
القراءات: 7628
القراءات: 9478
القراءات: 8749
القراءات: 8857
القراءات: 8470
القراءات: 11752
القراءات: 8422
القراءات: 7962
القراءات: 9010
القراءات: 9294
القراءات: 8028
القراءات: 7557
القراءات: 9599
القراءات: 8531
القراءات: 8601
القراءات: 9359
القراءات: 11283
القراءات: 7740
القراءات: 7747
القراءات: 11545
القراءات: 7837
القراءات: 7527

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية