بين فترة وأخرى، تُعزز واشنطن وجودها الاحتلالي في منطقة الجزيرة السورية سواء بإدخال آليات عسكرية ومواد لوجستية، أم بتكليف أدواتها - مرّة التركي، وأخرى قسد الانفصالية - القيام بما من شأنه أن يُرسخ احتلالها وحالة عدم الاستقرار بالمنطقة.
وبين فترة وأخرى تشن قوات الاحتلال الأميركي اعتداءات مباشرة على طرفي الحدود السورية - العراقية، مُستهدفة كل ما يُهدد بقايا الدواعش الذين يُقيمون هناك تحت رعايتها وحمايتها. الاعتداءاتُ الأميركية الأخيرة على منطقة البوكمال بريف دير الزور تُمثل الأُنموذج الذي يُحاكي اعتداءات النظام التركي المُتكررة على ريف الحسكة التي تستهدف البنى التحتية والمرافق الخدمية، وتُؤدي إلى نزوح المدنيين عن قراهم وبلداتهم.
على التوازي، تُؤيد الولايات المتحدة ممارسات النظام التركي ودعمه المُعلن للتنظيمات الإرهابية في إدلب، سواء بتشجيعها على خرق اتفاق موسكو الأخير، أم بتوفير المزيد من الإمدادات لها عبر قوات الاحتلال التركي، بل إن واشنطن لا تكتفي بذلك، فتُشجع ابتزاز أردوغان لشركائها الأوروبيين بمسألة اللاجئين الذين يُجبرهم نظام اللصوصية على مُغادرة الحدود مع اليونان تحت تهديد السلاح.
التعمية الأميركية على قيام النظام التركي بنقل الإرهابيين من التنظيمات التي تنتمي لفكره الإخواني إلى ليبيا، إضافة إلى مواصلة استخدام واشنطن ومعسكر العدوان منظمة حظر الأسلحة الكيماوية كمنصة استهداف، إذا ما جُمعت مع ما سبق ذكره، فإنه يؤكد على نحو فاضح أن الولايات المتحدة ما زالت تُقيم في الماضي، وربما ما زالت تُفكر بالعودة إلى المُربعات الأولى بالاعتماد على هذه العناصر، وتلك المُكونات التي تتشكل منها مروحة العدوان.
التصريحات الأميركية الأخيرة - جيمس جيفري - التي ذهبت إلى أعلى مستويات الوهم، وأقصى درجات الوقاحة في التعبير عن التبني الكامل للتنظيمات الإرهابية، ذلك من خلال المُطالبة الوقحة بتحويل اتفاق موسكو من مُؤقت إلى دائم، ربما تُعبر عن أوهام واشنطن وانفصالها عن الواقع، لكنها في الوقت ذاته تُمثل الدليل المباشر على شعورها بالهزيمة التي تريد تعويضها بالأمنيات التي لا محل لها!
إنّ مروحة العدوان التي يَتهيأ لواشنطن أنها ما زالت بيدها، تُدَوّرها حيث شاءت وأرادت، باتت غير صالحة للدوران، بل إن دورانها لم يَعد أمراً مُتاحاً بالمُطلق، وأما إذا أرادت الإدارة الأميركية مُخالفة الوقائع والتوغل بمُحاولة اختبار وتجريب ما فشلت - هي وسابقتها - بتحصيل النتائج التي تبحث عنها، فعليها أن تُراقب إذاً بمزيد من الألم ما ستؤول إليه الأمور التي لن تَحمل لها إلا ما يَتعارض مع رغباتها العدوانية الشريرة المُعلنة والمُبيتة، المُشتركة مع الكيان الصهيوني وأردوغان، ومع باقي أطراف محور الشر والعدوان الذي تقوده.