أما البيت الأبيض، فإن موقفه ومنذ اعلان وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وجهة نظر بلادها حول الحل السياسي، وكشفها أن واشنطن اقترحت على المعارضة عدم رمي السلاح ورفض المبادرة لم يتغير حتى اليوم، وماجنيف1 أو جنيف2 إلا عمليتان كانتا تهدفان إلى ابتزاز حكومة دمشق سياسياً، تلك الحكومة التي كانت مرنة في قبول أوراق الحوار، وذكية في وضع الأولويات، ذلك أن محاربة الإرهاب أولوية أمنية تنعكس على كل الأطراف السورية، إذا ماكان لديهم الرغبة في بناء الوطن.
ورغم تحفظ الأميركيين الذين يجدون في الحرب فرصة لإضعاف كل الأطراف، فإن إعلان المعارضة قبول الحل السياسي أمر مرفوض أميركياً وغربياً، لأن هذا الإعلان سينزع الغطاء الشرعي عن المسلحين الممولين خليجياً ودولياً، فالميليشيات الكثيرة التي تقتل السوريين ليست تحت سيطرة ما تسمى «المعارضة» فعلياً، ورفض تلك المعارضة الدخول في حوار سياسي يعطي شرعية للميليشيات على الأقل إعلامياً على أنها معارضة مسلحة.
إن استقبال موسكو لبعض أطياف المعارضة، وتصريحاتهم المتناقضة تدل على عودة المعارضة إلى التشرذم، وسبب هذا التشرذم أن تلك المعارضة رهنت موقفها- إذا كان موجوداً في الأصل- للخارج وقبلت بما أملته عليها قطر والسعودية، فكانت تنفذ أوامر ولاتمارس قناعات.
في الواقع، ثمة مؤشرات عدة لابد من أخذها بالحسبان لقراءة مايجري واقعياً ومنها:
1- إعادة الأمن والاستقرار إلى سورية بات مسألة وقت والقضاء على الإرهاب يتواصل بالتوازي مع تشرذم المسلحين وعودة الكثير منهم إلى كنف الدولة وتلاش شبه تام للحاضنة الشعبية لهم، وخصوصاً أن أربعة أعوام من التدمير والتخريب فضح نهج الدول الراعية للإرهاب لإعادة الشعب السوري إلى «العصر الحجري» وتعميق معاناته على المستويات كافة الاجتماعية، الاقتصادية، الخدمية، الثقافية، العلمية والصحية.
2- صلابة الموقف الرسمي وقدرة القيادة السورية على تخطي الضغوط السياسية لأنها -كما قال الرئيس بوتين «تنتهج سياسة مستقلة باتخاذ قراراتها المصيرية غير آبهة بالضغوط ولا بالاملاءات الخارجية التي تصدر عن بعض الدول التي تعتبر نفسها بمنزلة الشرطي الدولي الذي يفرض املاءاته على من يريد من الدول الكبيرة والصغيرة متى يشاء».
3- نجاح دمشق يفضح محاولات الاستعمار الجديد للتدخل بالشأن السوري عبر بوابة «الذرائع الإنسانية» وتمكنها من استثمار علاقاتها الخارجية مع الدول الصديقة روسيا، الصين، ايران، فنزويلا والصين لمصلحة تقديم المساعدات للشعب السوري، وبذل كل الجهود لمواجهة الأزمة الإنسانية القاسية التي خلفها الإرهاب المدعوم من واشنطن وأدواتها.
4- اتساع نطاق التهديدات الأمنية في المنطقة بسبب دعم الإرهاب في سورية وهو ما أدى إلى اتفاق الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، على ضرورة عدم التلكؤ في محاربة (القاعدة) وفروعها أينما كانوا ووضع حد لكل دولة تساهم في مساعدتهم أو مدهم بالمساعدة المباشرة أو غير المباشرة والتعاون مع كل من يساهم في القضاء عليهم.
5- ثبات حلفاء سورية على موقفهم الداعم للحل السياسي واصرارهم على دعوة جميع الأطراف الخارجية القادرة على التأثير في الوضع السوري، مقابل تراجع الدور الأميركي وتزايد عزلة الدول «التابعة» له والتي تحاول تعطيل الحل السياسي.
لكن لايمكن النظر إلى تلك الحقائق والمتغيرات إلا على ضوء الإنجازات الميدانية التي يحققها الجيش العربي السوري في حربه ضد المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من دول غربية وإقليمية، ولابد أن تتخطى آثارها الواقع الراهن لكونها العامل الأقوى بالمعادلة السورية على المستويين الداخلي والخارجي، فالقوات المسلحة لم تنجح فقط بتعزيز الصمود السوري، وإنما نجحت كذلك بكشف خطة «الشرق الأوسط الجديد» وأهدافه الرامية لتصفية القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة العربية.