في فهم ما وراء إسقاط المشروع الفلسطيني في مجلس الأمن من قبل الولايات المتحدة يمكن استقراء حقيقتين إحداهما شكلتها وأنضجتها الظروف الإقليمية والدولية هي الحقيقة الأولى المتمثلة بذلك التحول الواضح والصارخ في موقف الكثير من دول العالم حيال القضية الفلسطينية، وخاصة تلك الدول التي كانت حتى وقت قريب تنضوي تحت عنوان احتضان و دعم الاحتلال الإسرائيلي كبريطانيا التي عكسها مزاجها الرسمي والشعبي ذلك التحول في الموقف حيال القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي رغم أنها صوتت في مجلس الأمن عكس ذلك المزاج، لتتطابق في موقفها مع فرنسا التي جاء تصويتها منسجما مع المزاج الشعبي والسياسي الذي بدا واضحا هو الآخر في هذا الموضوع أيضاً بغض النظر عن تلك التحالفات والاتفاقات والمجاملات التي تجري خلف الكواليس بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وبين بريطانيا وفرنسا والغرب عموما ، لان ما يهمنا هو العلانية في التعبير عن تحول ذلك المزاج لصالح دعم قيام الدولة الفلسطينية حتى لو كان ما يجري خلف الكواليس عكس ذلك.
أما الحقيقة الثانية التي كرسها إحباط المشروع هي انحياز الولايات المتحدة الأميركية المطلق والمفرط للكيان الإسرائيلي وبشكل أعمى ومتسرع أحياناً رغم تلك الويلات والكوارث السياسية والاقتصادية والشعبية التي أنتجها دعم واشنطن الأعمى والمفتوح لإسرائيل، وبالتالي خطأ الرهان على الإدارة الأميركية مجددا بعد أن أثبتت التجارب وسنوات المفاوضات الطويلة التي كانت ترعاها وتديرها وتحتضنها الأخيرة بانحياز واضح ومعلن لصالح إسرائيل بهدف تمييع القضية وصولا إلى إضاعة الهدف بشكل كامل وكلي وهو رهان فاشل بطبيعة الحال لأنه اثبت عدم جدواه طيلة العقود الماضية ذلك إن الاجيال الفلسطينية الجديدة أثبتت وأكدت تشبثها وتمسكها بحقوقها كاملة دون نقصان أكثر من الأجيال الفلسطينية الأولى.
غير أن الإشكالية التي تعتريها الغرابة المفرطة إلى حدود الحزن والفجيعة هي تلك الدهشة التي أبدتها السلطة الفلسطينية إزاء موقف الولايات المتحدة الأميركية وكأن الأمر غريب أو جديد على السلطة الفلسطينية التي لا تزال تصر على الوثوق بالإدارة الأميركية والسير خلفها في مفاوضات عقيمة هدفها اغتيال القضية الفلسطينية برمتها وهي التي استخدمت الفيتو أكثر من أربعين مرة ضد التصويت لصالح القضية الفلسطينية .
انطلاقاً من تلك الحقائق تجد السلطة الفلسطينية نفسها مجدداً وحيدة وقد طعنتها الولايات المتحدة من ظهرها للمرة الألف، الأمر الذي يفرض عليها إعادة التفكير مليا قبل الإقدام على أي خطوة جديدة، وبالتالي رسم إستراتيجية جديدة لإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ركيزتها الأساسية إعادة إحياء الخيار المقاوم الذي اثبت جدواه وفعاليته ليس على الساحة الفلسطينية فحسب بل على الساحة العربية والإقليمية في لبنان وسورية وإيران حيث أجبرت تلك الدول إسرائيل وأميركا حلفاءهما على التراجع عن سياساتها وفرضت عليهم خيارات تواكب وتناسب صمودهم ومقاومتهم وتمسكهم بحقوقهم من خلال التمسك بخيار المقاومة واستخدامه كورقة ضاغطة لتغيير الواقع وفرض الحلول الواقعية على الأرض وفي انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000 وما يجري الان على الساحة السورية حيث بدأت أميركا وإسرائيل بالرضوخ للحلول والشروط السورية خير دليل على ذلك .
على هذا النحو فان الاعتراف بخطأ التسلح بخيار المفاوضات وحيداً دون دعمه بخيار المقاومة يبدو في هذه الظروف العصيبة و الاستثنائية التي تعصف بالمنطقة عموما و القضية الفلسطينية خصوصا مسؤولا واستثنائيا ودليلاً على الوعي بحجم الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية برمتها ، وبالتالي تحويل الكلام إلى أفعال – الرئيس عباس قال بالأمس إن الحق يؤخذ ولا يعطى وان المواجهة يجب أن تستمر بكافة الأوجه والأشكال - ، وهذا في ابسط حالات الفهم يمكن قراءته على انه تحول في الموقف الفلسطيني نحو توسيع الخيارات وتعزيز وحدة الصف الفلسطيني، خاصة وان القرار الأميركي و الإسرائيلي يبدو واضحا في هذا الشأن وهو تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي وحتمي وهو لن يكون بحسب الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية إلا عبر تمزيق وإضعاف الدول المقاومة والحاضنة والداعمة للقضية الفلسطينية وأولها سورية، و ربما هذا يشرح ويفسر ذلك الاستهداف الممنهج والمستعر على سورية لأنه في نهاية المطاف يخدم المشروع الصهيوني.
ما هو مؤكد إن إحباط مشروع قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي إلى تداعيات خطيرة في الأيام القليلة كونه كان بمثابة الفرصة الأخيرة لإسرائيل ولأميركا خصوصا وللمجتمع الدولي عموما لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الذي يعتبر بؤرة التوتر الرئيسة المستعرة في المنطقة ،وبالتالي فإن إسقاط المشروع ربما يكون خطراً داهماً وخطأً استراتيجياً.