بإلزام مالكي وسائط النقل على اختلاف تسمياتها بالتعرفة المحددة للأجور ووضع حد للمخالفات المرورية، فما حقيقة إعلان محافظة دمشق عن تجهيز 150 حافلة نقل داخلي، ونفي إدارة شركة النقل الداخلي؟ وما حقيقة أزمة النقل؟ وكيف تنظر الشركة العامة للنقل الداخلي إليها؟، وماذا عن النقص بالحافلات على مجمل الخطوط ؟ وما الإجراءات المتخذة بحق الشركات التي تلاعبت أو أخلت ببنود العقد؟ وما إجراءات المحافظة للحد من الأزمة؟ وماذا عن العقود التي تمَّ فسخها من قبل الشركة؟
حلول قاصرة
بدأت أزمة النقل بدمشق وريفها منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وبدأت أولى الحلول بإدخال السرافيس للتخفيف من عبء الأزمة وغابت النتائج المرضية داخل العاصمة وريفها القريب من خلال كثرة السرافيس وتقادمها مع الأيام مما شكل عبئاً على البيئة والشوارع والمواقف، فكان الحل منذ نحو عقد من الزمن بإخراج ما يقارب 4500 سرفيس وإيجاد منظومة نقل جماعي بمواصفات فنية حديثة تلبي الطموح من خلال شركة النقل الداخلي ودخول القطاع الخاص تجربة الاستثمار وفق عقد يتضمن المواصفات الفنية للحافلات والمحددة بتعميم وزارة النقل من ناحية وتضمن الراحة والأمان ونظافة البيئة، ولكن بعد مرور أقل من عام على التجربة بدأ يطفو على السطح سيل من الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المعنية بالنقل الجماعي وعشوائيات العمل ليتبين من خلالها أن تجربة النقل الجماعي لدينا قاصرة ومقوماتها ناقصة. فما هي هموم المستثمرين وما العقبات والمعوقات أمام نجاح العمل وما السبل الكفيلة للنهوض بوسائل النقل الجماعي وتفعيلها لحل أزمة النقل التي يعاني منها المواطنين؟
مجمل الآراء المستطلعة حولها أجمعت على فشل تجربة النقل الجماعي، لأنها ببساطة لم تحقق الغاية المرجوة منها لجهة حل الأزمة والمواقف مازالت تعج بالركاب وتضيف الآراء: إن عدم الالتزام من قبل السائقين أو مراكز المراقبة التابعة للشركة بتواتر الحركة على الخط بفواصل زمنية محددة وتقطيع أوصال الطرق والتحويلات المرورية في أيامنا هذه تضاف إلى مفردات الأزمة، ولكن ولأن ما نتحدث عنه كان قائماً سابقاً وقبل تقطيع الطرق وتحويلاتها المرورية ولذلك قد يكون ممكناً إعادة الأمر لرغبة المستثمرين بالربح دون الاكتراث بمصلحة المواطنين وتنقلاتهم، فمادياً يشير كل من يستخدم وسائل النقل الجماعي إلى السلبيات المتعلقة بعدد الركاب وبالأجرة وبالزمن الطويل الذي تستغرقه رحلة داخل المدينة كانت تستغرق أقل من نصف الزمن الحالي.
لجنة الإشراف
ويوضح العاملون في النقل الجماعي أن حل الأزمة يحتاج لما يقارب 2250 باصاً تمتلك شركة النقل الداخلي ما يقارب 375 منها، وعليه كان الطرح منذ عام 2003 بإشراك القطاع الخاص، وتوقيع العقد من قبل المستثمر مع شركة النقل الداخلي، فكان هذا أول الأخطاء وأكبرها إذ لا يعقل أن تكون الشركة منافساً وشريكاً ومشرفاً على المستثمرين وشركاتهم الخاصة بالوقت ذاته والحل لمثل هذه المعضلة يكون مثلاً بإيجاد لجنة إشراف غير خاضعة لشركة النقل الداخلي مستقلة وتضم ممثلين عن نقابة عمال النقل البري والمحافظة ووزارتي الإدارة المحلية والنقل وإدارة المرور مع ضرورة وجود ممثلين عن شركات الاستثمار الخاصة ما يضمن استمرارية العمل بالطرق السليمة.
احترام العقود
وتؤكد الشركات المستثمرة بأن العقود المبرمة مع شركة النقل الداخلي تنص على ضرورة إفراغ الخطوط من السرافيس وتأمين المواقف اللازمة لتنظيم حركة المرور والحد من الازدحام المروري أو أن يكون الإهمال والخلل مصير بعض العقود المبرمة التي تمَّ المصادقة عليها رسمياً لناحية تحديد نهاية الخط وعدم تجزئته واختصاره ما أدى إلى خسائر بالملايين لهذه الشركات دون أن تلقى كتبها المتضمنة إفراغ الخطوط وعدم اختصارها وتأمين البديل عن الخطوط الملغاة أي آذان صاغية عند المعنيين بل كانت المفاجأة فسخ العقود المبرمة أو تغريم وصلت قيمته عند إحدى الشركات ما يقارب المليون ليرة.
ويضيف المستثمرون: وضعنا ملايين الدولارات وخلقنا مئات فرص العمل ونتحمل كل الضغوطات من إحراق باصات وتخريب أخرى ونتحمل جميع أنواع الضرائب المترتبة علينا والصيانة والمخالفات المرورية «حضورية وغيابية» وتكاليف مرائب وموظفين وإداريين ولباس وسائقين وتأمين إلزامي ورسم سنوي وغلاء مازوت وتدريب وتأهيل وما إلى ذلك، وكل هذا معروف مسبقاً ولكن يوم درست الجدوى الاقتصادية لم تكن العقبات موجودة كما هي الآن من تقطيع أوصال طرق وحواجز تفتيش وتحويلات مرورية أدت لتأخير زمن الرحلة التي باتت تستغرق في أحد الخطوط لساعات، ما يعني استهلاك مزيد من الوقود والزيوت واهتراء محرك وصيانة وقلة رحلات وبالتالي قلة إيرادات، إضافة إلى تجزئة خطوط وما يلحقها من تجزئة تعرفة وهذا ليس موجوداً بالعقد ولم يتم توضيحه ما دفع للمطالبة بتخفيض المبلغ المخصص كبدل استثمار 150 ليرة عن كل باص إذ ماذا تقدم الشركة أو المعنيين بالنقل الداخلي ليقاسمونا الأرباح «إن بقي أرباح أصلاً»
نتائج مخيِّبة
وبعد عدة سنوات على تجربة النقل الجماعي وفي ظل هذه الاتهامات يقول مدير الشركة العامة للنقل الداخلي: أبرمت عقود استثمار وتمَّ تخديم خطوط يرموك سومرية - يرموك كراجات - مليحة برامكة - السيدة زينب كراج الست الحميدية - دوما مشفى الحياة - جوبر مزة.
وكان من المتوقع استثمار خطوط الدوار الشمالي مشروع دمر جسر الرئيس - دويلعة برامكة حيث كانت هذه الشركات تستكمل إجراءات إبرام العقود لتحسين الخدمة المقدمة للمواطنين وتطوير التجربة وتخفيف التلوث بعد أن تزايد عدد الآليات من 140 ألفاً عام 2002 إلى ما يقارب نصف مليون مما فاقم أزمة المواصلات وساهم بشكل كبير بالأزمة المرورية وانعكس تعطيلاً لمصالح ووقت المواطنين فكان التوجه للنقل الجماعي والباص الواحد يعادل أربعة سرافيس وبالتالي تخفيف الضغط والعبء والتلوث جراء اهتراء السرافيس حيث تمَّ استبدال 4500 منها بـ 1500 باص جديد ومواصفات عالية ما يعني نظافة بيئية وخدمة أفضل للمواطن.
لكن وحسب تعبير المهندس محمد نعيم النخال مدير الشركة: معظم المستثمرين لم يقدموا الخدمة الواجبة بالشكل الأمثل، إما لعدم وجود الخبرة الكافية لدى البعض أو لسعيهم نحو الربح وعدم الالتزام بمعظم بنود العقد المبرم معهم.
قصة الـ 150 باصاً
بعد حديث المعنيين بمحافظة دمشق ولسنوات خلت عن تجهيز 150 باصاً للخدمة على خطوط النقل.. اعتبر المهندس النخال أن هذه المعلومات مجرد أحاديث في ظل الظروف الراهنة وغياب قطع الغيار والإيرادات أما إن تغيرت الظروف وعادت باصات الشركة إلى خدمة النقل حينها يمكن تغطية أي خط والمساهمة بحل أزمة النقل..
سجال مستمر
وعن تصيد الشركة لأخطاء المستثمرين كونها المنافس قال النخال من حيث المنافسة باصاتنا الأفضل من حيث المواصفات الفنية والجودة ومستوفاة للشروط من حيث تركيب الحصالات والتقيد التام بالتسعيرة ومع ذلك كنا على مسافة واحدة من جميع الشركات المستثمرة وتعاملنا معها وفق بنود العقد كوننا الطرف الآخر فيه ونظرنا في شكاوى المواطنين حيال التلاعب بالتسعيرة ووضعنا صاحب الشركة بحقيقة التلاعب وعدم الالتزام بوضع الحصالات أو بالتواتر ولجوء السائقين إلى الوقوف طويلاً عند بدايات الخطوط بشكل يخل بمواعيد الانطلاق والوصول ويضيّع فرصة الصعود لباقي ركاب الخط وعدم الالتزام بتجزئة الخطوط أو تجزئة التعرفة والتأخير بدفع بدل الاستثمار وتذمر معظم المستثمرين عن دفعه والمطالبة بتخفيضه أو الإعفاء منه إضافة لتأخر الشركات المخالفة عن دفع الغرامات المترتبة عليها جرَّاء تغيّب باصاتها عن الخدمة، ومع استمرار شكاوى المواطنين اضطررنا لفسخ أربعة عقود وبقيت خمسة عقود فقط سارية المفعول.
تجربة قاصرة
مع تأكيد مدير عام شركة النقل الداخلي فسخ العديد من العقود، وما تؤكده الوقائع من وجود فعلي لباصات الشركات التي فسخت عقودها على خطوط داخل مدينة دمشق يخلق تساؤلات عن كيفية عمل هؤلاء طالما فسخت عقودهم فيقول النخال: صلاحياتي تقضي بفسخ العقد في حال المخالفة وإعلام الجهات المعنية من محافظة ووزارة نقل ومرور وسادكوب لإيقاف مخصصات المحروقات عنهم، أما التقيد بفسخ العقد وما ينجم عنه فمسؤولية اللجنة الإدارية والمرور والمحافظة هي المسؤولة أيضاً عن مخالفات التعرفة وهي من تلزم الشركة والمستثمرين التقيد بها.
الحل..!
والحل بنظر المهندس النخال: أن النقل الجماعي والاستثمار فيه كأي تجربة لابد أن تعترضها منغصات.. أولها عدم الخبرة عند بعض المستثمرين الذين جعلوا الربح همهم الأول من حيث التعرفة وزيادتها كيفياً ومن خلال إيقاف بعض الباصات وبيع مخصصات محروقاتها بالسوق السوداء وكل هذا يمنعه العقد المبرم إضافة إلى عدم التعامل بإيجابية مع الشركة، بل نظروا لها وكأنها المنافس لهم والمتصيد لأخطائهم، لذلك لن تحل مشكلة النقل أي لجنة تشكل لأن هناك لجان متابعة ومختصة فعلاً ولم تنجح لأن الأعذار والمبررات والحجج عند المستثمرين موجودة دوماً.
والحل يبدأ من نظرة المستثمرين إلى الشركة العامة للنقل الداخلي كمنافس حقيقي وتأمين العدد الكافي من الباصات للشركة بحيث تمكنها في حال تقصير المستثمر عن تخديم الخط الذي وضع لاستثماره، وأكبر دليل خط الدوار الجنوبي وكانت الشركة تغطيه افضل تغطية، وعند فسخ أي عقد يصار إلى إنزال باصات الشركة في مكانه مباشرة، حينها فقط يشعر مستثمر الخط أن بديله موجود وجاهز، فيعمل على تخديم الخط وتقديم أفضل ما لديه وهذا ما فعلناه بخط باب توما بعد أن اختلف معظم المستثمرين على طريقة تخديمه وتعرفته وتجزئته وباستثناء هذا الخط لا يمكن للشركة أن تفعل أي شيء في الوقت الحالي لأنه وببساطة شديدة الشركة خارج التغطية إضافة إلى صعوبات كثيرة مثل قطع الغيار التي نعاني للحصول عليها، والأهم كان يفترض تشغيل 450 باصاً منها 375 باصاً جديداً و75 من القديمة التي يمكن ترميمها بشكل يلبي الغرض، إلا أن الظروف الراهنة وخروج الشركة عن خدمة النقل الداخلي دفع الشركات الأخرى للانفراد بالخطوط وتغاضينا عن المخالفات في بنود العقد لنضمن استمرارية خدمة المواطن.
وحاليا لا إيرادات تذكر للشركة جراء أعمال النقل باستثناء 25 باصاً تخدم خطي باب توما وجمرايا وهي الإيرادات الوحيدة التي تعتمد عليها الشركة.
ومن الصعوبات معاناة الشركة في تأمين المازوت خاصة حيث تعامل كما القطاع الخاص «تدفع المبلغ وتقطع المخصصات سلفاً ليصار بعدها إلى تعبئة المادة.
حلول ممكنة
كلام النخال يعني بأن الجهات المعنية تعرف بفسخ العقود وبالتسعيرة الكيفية ومخالفات الحصالة واللباس وغياب بعض الباصات وتغيير خطوطها فكيف تنظر تلك الجهات حيث أعاد عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق المعني بشؤون النقل سبب الأزمة لزيادة عدد القاطنين بمدينة دمشق بزيادة 2.5 مليون نسمة عن عام 2011 إضافة إلى الانخفاض الحاد بعدد المركبات المعدة للنقل العام إلى نحو الثلث لأسباب الاعتداء والتخريب، وخروج الكثير من وسائل النقل عن الخدمة لأسباب تتعلق بمالكيها والسائقين وغيرها من الأسباب التي أدت إلى نشوء أزمة نقل ركاب حادة ومفاجئة وبظروف عسيرة يتعذر فيها توفير البديل بشكل سريع، باستثناء بعض الإجراءات التي حاولت محافظة دمشق القيام بها في المدينة من خلال نقل بعض المركبات من الخطوط الأقل نشاطاً إلى الخطوط المحتاجة إليها وإصدار التعرفات الخاصة بالنقل والتشدد في تطبيقها حرصاً على مصلحة المواطن.
إضافة إلى سعي المحافظة الحثيث لإصلاح الباصات المتضررة لدى الشركة العامة للنقل حسب الإمكانيات المتوافرة لوضعها بالخدمة، لولا الاعتداءات التي جرت على ورش الإصلاح ما حد من وتيرة التجهيز والإصلاح بالأعداد اللازمة، وبهدف تسهيل الحصول على مادة المازوت للسرافيس، سبق أن منحت المحافظة بطاقات كرتونية لسائقي السرافيس لتأمين المازوت وذلك كخطوة لضبط عمليات التزويد بالوقود وهي معالجة مؤقتة ريثما يتم تنفيذ مشروع كامل تزود فيه السرافيس ببطاقة ذكية يتم بموجبها الحصول على مخصصاته في المازوت وهناك تجهيزات ستركب في محطات الوقود وكل ذلك لحصر الكميات المسلمة وعدم التلاعب بالكمية والسعر والعقود المتعلقة بهذا المشروع قيد التوقيع وسينجز بفترة قصيرة جداً إضافة لإحداث مراكز تبادلية تؤمن نقل الركاب بشكل متوازن تحد من الازدحام ما أن تصل القادمة من الريف لتنطلق الأخرى لداخل المدينة فتكون هذه المراكز قريبة لكراج السومرية والقابون وغيرها من المؤشرت التي تدل على زوال أزمة النقل في الوقت القريب بفضل الجهود المميزة التي تبذلها كل الجهات وعلى جميع الصعد التنظيمية والإدارية والفنية، على أمل أن تتمكن محافظة دمشق من تحقيق مشاريعها الكبرى للنقل الجماعي من خلال التوسع بالنقل السككي والمترو وتنفيذ (اللاين باص) وإدخال الباصات العاملة على الغاز وسيارات الكهرباء بالمدينة القديمة وذلك لتوفير النقل الآمن والسريع والمريح للمواطن وللمحافظة على البيئة والمظهر الحديث واللائق بدمشق..
**
أريد أن أصل!!
أجمعت عينة من آراء المواطنين «طلاب جامعات ومدارس وعمال ومدنيين» على أهمية تطبيق القانون ومعاقبة الشركات بمخالفات متنوعة، فتنذر أو تغرم او تفسخ عقودها وقالوا يجب ألا يسمح للشركات «المفسوخ عقدها» بالعمل بذريعة الحاجة الماسة لخدماتها لعدم توافر البديل، ويجب أن نعترف بحق الشركات بتعرفة تنصفها وهو ما يؤكد ضرورة إيجاد لجنة مشرفة تمثل المحافظة والنقل وإدارة المرور وممثلين عن الشركات المستثمرة بالشكل الذي يضمن العمل بالطريقة الصحيحة دون تجاوزات فلا يبقى المواطن وحده في دوامة أزمة النقل.