«بيتنا يحترق» جملة من كلمتين نطق بها قبل عشر سنوات من الآن أحد رؤساء فرنسا آنذاك.. أجل، عالم المال و الأعمال مشغول لغايته في هذه الأوقات بإنضاج مشاريعه العالمية العملاقة على جمر ناعس.. ولكن على رجاء وطيد للغوص، أكثر في جوف الأرض و استنزاف كنوزها، واستثمار كل الطاقات البشرية بطرق شرعية أو غيرها حتى استنزافها..!!
ومن غير اندهاش أو تعجب، وافق رئيس الاتحاد الفيدرالي العالمي على مقولة «بيتنا يحترق»، ومؤكداً في الوقت نفسه بأن القادة السياسين يرومون الدفع بنا للاعتقاد، بضربة عصا سحرية خضراء، بأن الاتفاق الختامي للقمة، على خزيه و حقارته إنما يشكل سابقة، و هو في حقيقته ليس سوى تصريح فج ورخصة مبتذلة للإمعان في بقر جوف الأرض، وابتلاع خيراتها التي تخص كل أولادها دون استثناء.. أجل، الاتفاق إياه فارغ من كل صيغة سياسية أو توجه قيّم، و هو مقدم كهدية ثمينة لتلك المشاريع العملاقة المتعددة والتي تتلطى خلف الأمم المتحدة، متخذة إياها رهينة لتشجيع و تحفيز مصالحها الاقتصادية على نحو أفضل و بوقت قياسي..!!
من منا لم يشهد، خلال العشرين سنة الماضية، و على نحو خاص نمواً وازدهاراًَ متنامياً لشركات متعددة الجنسيات و أثرها على مجريات العالم وهي على التوالي: شيل- بيتر وشينا- كوكا كولا- مونساتتو- وغيرها، وكل ذلك و بالطبع على حساب الشعوب و الحلول المقبولة للكرة الأرضية..
تلك الشركات تمكنت من انتزاع إشراف الأمم المتحدة على محاولاتها في تقديم جميع بيادقها بكل الميادين، وعلى رجاء خاص جداً لتقويض أي جهد يؤسس لعدالة اقتصادية و اجتماعية أو سيادة غذائية..
قبل أيام من انعقاد قمة (ريو +20)، افتتحت «قمة الشعوب» في ريو أعمالها، وضمت 40،000 ممثل و 80،00 متظاهر خارج أسوارها، و مع ذلك حاولت قمة «ريو +20» الرسمية التنكر لها بشكل فاضح وفخري عندما تجاهلت تماماً مطالبها، وراحت تركز كافة جهودها باتجاه مصالح الشركات متعددة الجنسيات فقط، لتكون الحصيلة اتفاقاً يسمح لبعض الدول ببيع «رأسمالها الخالص» لشركات دولية عملاقة دون أدنى تسوية تقتضي من الشركات وضعها في مسؤولية الخسائر التي تلحقها بتلك الدول التي تبيعها رأسمالها الخاص.. بالتأكيد لن يتعرض «الاقتصاد الأخضر» للتبدد طالما أن الصناعيين والممولين يسعون للحفاظ على نضارته.. لعلها بارقة أمل ضئيلة، سطعت من ثقوب الاتفاق الختامي أعلاه و الشديد قتامة، بالنسبة لجميع هؤلاء الذين يقاومون هذا النوع الجديد من جبهة القتال الذي يصطنعه عالم المشاريع المنحرفة ضد عالمنا الطبيعي..
ولعل الأنظمة الاقتصادية السائدة اليوم تحفز لاستخدام صيغ إنتاجية واستهلاكية مدمرة للغاية، وهي دون شك مسؤولة عن تدمير البيئة و المجتمع الذي نعيش بين ظهرانيه ففي الوقت الذي يتطلب الأمر ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، نجد أن الممولين و الصناعيين و المتهمين أصلاً بتدمير هذه البنى، ينصبون أنفسهم أصحاب الحلول الشافية والوافية..!!
في الحقيقة لم يتم اتخاذ أي إجراء ملزم بهذا الشأن ولكن بالعكس فالسوق يحاول تسوية جميع المشكلات بمفرده، الأمر الذي يفسح في المجال لهذه المشكلات أن تستمر وتتفاقم..
مارتين لابانت، أحد أصدقاء الأرض و المشارك في القمة الرسمية «ريو +20»، خلص للقول بأنه «خلال هذه القمة، تكونت علاقات قوى جديدة بين دول صاعدة، و قوى عالمية قديمة وراحت هذه القوى جميعها تقدم بيادقها الاقتصادية ، ولكن وفيما «قادة» العالم غارقون في لعبتهم المفضلة، أعني لعبة الاحتكار و الاستئثاء LaMonooly، نجد الكرة الأرضية تتجه صوب الهاوية لتلامس قعرها»
واقع الأمر أن تدهور الأنظمة العالمية المشتركة بلغ حداً لا مثيل له في أيامنا هذه.. وإن حاول هؤلاء القادة الذين يدعون زعامة العالم عقد المزيد من القمم والموثرات، فإن لا شيء مفيداً سيتحقق سوى إتمام وإنجاز مصالحهم ومشاريعهم الكبرى.. وعليه يجب على المواطنين والشعوب العودة لامتلاك ناصية مصائرهم والقبض على مفاتيح مستقبلهم و التمسك به أكثر من أي وقت مضى..
بقلم: كريستيان بردوت - نائب رئيس أصدقاء الأرض سابقاً