وتؤدي إلى اضطرابات حركية بدرجات مختلفة سواءً في الوضعية أو في الحركة، ويظهر على شكل عجز حركي وخلل واضح في تناسق حركة العضلات وعدم القدرة على الحفاظ على الوضعيات لإنجاز الحركات الطبيعية، وهو اضطراب مزمن لكنه غير تطوري أو غير متقدم «غير ارتقائي» إذ لا يزداد سوءاً مع الأيام، أي أنّ التلف الدماغي نفسه لا يزداد شدة. ولا تقتصر عواقبها على المظاهر الحركية وحسب، بل تتعدى ذلك إلى النمو الحسي والمعرفي أحياناً، لأنّ بعض أطفال الشلل الدماغي يعانون من إعاقة سمعية أو بصرية بالإضافة إلى اضطرابات كلامية ولغوية واضحة.
نسبته 2 بالألف ..
الدكتور طاهر شريد الاختصاصي في تأهيل الأطفال المعوقين والمحاضر في جامعة دمشق أكد أن كلمة الشلل تشير إلى عدم تمكّن الطفل من تحقيق التطور الطبيعي للمهارات الحركية مثل السيطرة والتحكم بعضلات الرقبة والجذع والقيام بالجلوس والزحف والقفز والمشي ، كما ان كلمة الدماغي تشير إلى أن السبب في ذلك يعود إلى عدم اكتمال نمو أو خلل في الخلايا الدماغية المسؤولة عن الحركة والتوازن أي في الجهاز العصبي المركزي.
وأوضح شريد ان بعض الدراسات بينت أنّ نسبة انتشار الشلل الدماغي في معظم الدول ومنها سورية هي بحدود 2 الى 3 لكل 1000 ولادة جديدة، مضيفا انه على الرغم من ارتفاع هذه النسبة وكثرة عدد الأطفال المصابين بالشلل الدماغي إلا أن مراكز تقديم خدمات التربية الخاصة لا تستطيع أن تلبي احتياجات ومتطلبات الأعداد الموجودة، هذا بالإضافة إلى أنها تركّز على العلاج الفيزيائي لهم بشكل أساسي دون الأخذ بالاعتبار الاحتياجات التعليمية المطلوبة، وكذلك التأهيل النطقي واللغوي، كما تقتصر خدمات بعض المراكز أو المؤسسات على تقديم دعم مادي أو ما تسمى بالمعونة المالية فقط، وهذا بالتأكيد هو تقصير بحقهم وإهمال لإمكاناتهم وقدراتهم التي يمكن تأهيلها بشكل أفضل من مختلف الجوانب.
تصـنـيـفاته..
وأوضح شريد ان الشلل الدماغي يتم تصنيفه عادةً حسب معايير رئيسية، تشمل ما يسمى النمط الحركي أو طبيعة الضعف العضلي وذلك حسب مكان الأذية الدماغية تحديداً ، ومن حيث طبوغرافية أو مخطط الإصابة على الأطراف الجسمية المصابة، ومن حيث شدة أو درجة هذا الضعف كما يتم الاعتماد عملياً في تصنيف درجة شدة الإعاقة الحركية لدى أطفال الشلل الدماغي وبشكل خاص التشنجي، على مقياس تصنيف الوظائف (المهارات) الحركية العامة أو الكبرى والذي تم تطبيقه لأول مرة عام1997 في مركز قدرات الطفل في كندا .
واشار الدكتور طاهر شريد الى ان أعراض الشلل الدماغي تختلف باختلاف موقع التلف الدماغي وشدته، فالشلل الدماغي التشنجي أو التيبسي أو التصلبي، يعدّ النمط الأكثر شيوعاً، إذ يشكّل حوالي 50-60% من الحالات وينجم عن وجود أذية أو تلف دماغي في المراكز المسؤولة عن الحركة في القشرة الدماغية، وتبعاً لهذه الإصابة فإنّ هناك خللاً في المقوية العضلية، إذ يمتاز بصلابة أو تيبس العضلات، لكن قدرة الطفل على توجيه حركاته أو التوجه للعبة أو الغرض المطلوب تكون دقيقة نسبياً، بمعنى أنّه يستطيع مدّ يده إلى لعبته، ويصل إليها ولكن ببطء، مضيفا انه يمكن ملاحظة التشنج منذ مرحلة الرضع، من خلال عدم سيطرة الطفل أو تحكّمه باليدين وقلة التحريك.
أما بالنسبة للشلل التخبطي أو الالتوائي أو الكنعي والذي يطلق عليه الارتعاشي أو اللاانتظامي أحياناً فأوضح شريد انه اضطراب أكثر تعقيداً، ويوصف الأطفال هنا بالأفراد ذوي الوصول الناقص أو الوصول الزائد للغرض المطلوب وغالباً يكون توجههم للشيء والتوقيت للبدء بالأمر المطلوب غير دقيقٍ وغير ثابتٍ مشيرا الى ان هذا النمط يعد ثاني أكبر أنماط الشلل الدماغي شيوعاً، إذ تقدّر نسبة انتشاره بحوالي 12% ، اما بالنسبة للشلل التخلجي أو اللاتوازني، أو الترنحي فبين انه يمتاز الطفل هنا بعدم القدرة على التوازن بشكل صحيح، وغالباً ما يخطئ في تقدير المسافات وإدراك العمق ما يؤدي إلى سقوطه على الأرض بشكل متكرر حيث يمشي بخطوات واسعة ومتثاقلة ويداه ممتدتان إلى الأمام ليحافظ على توازنه، ورجلاه متباعدتان لذا نجده دائماً مترنحاً وغير متوازنٍ.
ومن أعراض الشلل الدماغي الإصابة بالشلل الرباعي حيث تصاب الأطراف الأربعة بالشلل، إلاّ أنّ شدة الإصابة في الطرفين العلويين في العادة تكون أكبر من الطرفين السفليين كما أن معظم الاطفال المصابين يعانون من عدم القدرة على ضبط حركات الرأس، ومن مشكلات في الكلام، ويعتمد طفل الشلل الدماغي الرباعي كليّاً على غيره لتلبية احتياجاته، فهو لا يستطيع التحرك والتنقل، ولا يستطيع الحفاظ على توازنه، ويشعر بخوف دائم من السقوط على الأرض إذا لم يتوافر له دعم خارجي وعادةً يمكن اكتشاف الشلل التشنجي الرباعي مبكراً بشكل أكثر من الأشكال الأخرى من الشلل الدماغي، حيث يمكن تشخيصه أحياناً في الشهور الثلاثة الأولى.
نصائح وتوعية ..
وختم الدكتور شريد حديثه بتوجيه بعض النصائح للأهل منها: تقييم وملاحظة التطور الطبيعي للمهارات الحركية منذ مرحلة الرضع، من الجلوس والزحف والمشي وغيرها وفي حال وجود أي شك حول ذلك، لا بدّ من إجراء بعض الاستقصاءات العصبية أو الفيزيائية من قبل الاختصاصيين ليتم الكشف المبكر عن أية مشكلة حركية، ليتم بذلك التدخل المبكر من ناحية التأهيل الفيزيائي والتأهيل النطقي وغيرها وضرورة معرفة الأهل ببعض المؤشرات السلبية عن التطور الحركي للأطفال الصغار، وبعض المعلومات عن تصنيفات الشلل الدماغي ودرجات شدة هذه الإعاقة، من خلال إعداد برامج إرشادية للوالدين والعاملين حول آلية التأهيل والتواصل اللفظي لديهم بالاضافة الى عدم الخلط بين الشلل الدماغي وأطفال الإعاقات العقلية بدرجاتها المتفاوتة، لأنّ معظم أطفال الشلل الدماغي لا يعانون من التخلف العقلي، بل بالعكس لديهم قدرات عقلية وقدرات تعليمية جيدة، كما يجب ضرورة توعية المجتمع بنقاط القوة لدى أطفال الشلل الدماغي من خلال المحاضرات والندوات والصحف والدورات التدريبية للعاملين في مراكز التربية الخاصة والمدارس واعتماد مركز وطني للتقييم والكشف والتدخل المبكر للشلل الدماغي، وإيجاد مراكز لتقديم خدمات التربية الخاصة للفئات العمرية الصغيرة من عُمر السنة إلى ما قبل عمر المدرسة.