تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيئة ... ومؤثرات تكنولوجية

كتب
الأربعاء 11-7-2012
تُعدّ البيئة الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، ويؤمن من خلاله استمراريته، ويحافظ على بقائه، وبالتالي فإن الحفاظ على سلامة البيئة، وصيانتها يعني بالضرورة صيانة وحماية الإنجازات التي حققها عبر تاريخه الطويل.

عمل الإنسان منذ وجوده على الأرض على استغلال مواردها الطبيعية لبناء التطور الاقتصادي الذي تنعم به البشرية في وقتنا الحاضر. لكن الضغوط السكانية وأنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية، والإلحاح المتزايد لمتطلبات الحياة التنموية أدى إلى قصر النظر في استغلال موارد البيئة الطبيعية ومآلها إلى التلف والتدهور، وأفسد قدرتها على التجدد التلقائي، وأخل بالتوازن الطبيعي للحياة، وصاحب النمو الاقتصادي الذي لم يضع الاعتبارات البيئية في حسبانه تكاليف بيئية معقدة، تثير القلق حول أهمية المحافظة على البيئة التي تتميز نظمها بحساسية بالغة.‏

إن النمو الاقتصادي المستند إلى التكنولوجيا الحديثة شره للطاقة وتزداد شراهته باضطراد مع تزايده. ومن المعروف أن مصادر الوقود الأحفوري وخاصةً النفط والغاز هي مصادر الطاقة الحالية، وهي تعد أكبر مصدر للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تعتبر من أخطر المشكلات البيئية التي تعاني منها البشرية اليوم. وكلما تقدمنا في استخدام التكنولوجيا الحديثة زاد استهلاكنا من الطاقة، وزاد انبعاث الغازات الضارة في مكونات البيئة، فضلاً عن المشكلات الأخرى من استنزاف الموارد وتزايد النفايات نتيجة اعتماد أنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية. أي أننا نكون أمام مشكلة ثنائية الأبعاد: المشكلة البيئية المتمثلة بالخلل البيئي في البعد الأول، وتعزيز المشكلة الاقتصادية من خلال استنزاف الموارد وبالتالي عدم القدرة على إشباع الحاجات الجديدة في البعد الثاني. وبالتالي فإن التكنولوجيا الحديثة تساعد على تسريع خطوات تحقيق النمو الاقتصادي ولكنها تساعد أيضاً على تجسيد مبدأ أن يستمر الإنسان في تكييف البيئة من أجله وفق مفهوم «الإنسان في مواجهة البيئة ومكوناتها». وبعبارة أخرى، تكريس التناقض بين النظام البيئي والنظام الاقتصادي الذي يعد جزءاً منه. وفي نظرةٍ أكثر تمعناً نجد أن البيئة تلازم كافة أنشطة الإنسان بشكل عام وأنشطته الاقتصادية بشكل خاص، حيث إن الأنشطة الاقتصادية تأخذ ما يدخل إليها من البيئة وتصب ما يخرج عنها أيضاً في البيئة، فيجب أن تكون العلاقة تبادلية، تفرض تكيف الإنسان مع البيئة، وبالتالي تكيف النظام الاقتصادي مع النظام البيئي من أجل تفادي حدوث المشكلات البيئية.‏

صحيح أن الدول المتقدمة حققت درجات عالية من النمو الاقتصادي إلا أن نموها غير المتوازن مع البيئة يعد المساهم الأكبر في تفاقم المشكلات البيئية في وقتنا الحاضر، واللافت في الأمر أن تكاليف تفاقم المشكلات البيئية لن تتأثر به اقتصاديات الدول المتقدمة فحسب، بل ستتأثر به اقتصاديات الدول النامية أيضاً، لأن المشكلات البيئية هي مشكلات عابرة للحدود والحواجز الجغرافية لأي دولة.‏

لقد أصبحت السياسات الاقتصادية- البيئية حاجة ملحة في ظل تفاقم المشكلات البيئية في عالمنا اليوم، وكل ذلك بسبب الفهم الخاطئ للعلاقة التي يجب أن تكون بين البيئة والإنسان، أثناء سعيه لتحقيق النمو الاقتصادي. لذلك، فإن تطبيق سياسة بيئية مدعمة بأدوات اقتصادية يعتبر الأداة الفعالة للمحافظة على النمو الاقتصادي المحقق بالدرجة الأولى وعلى البيئة ثانياً. وبما أن المشروعات الاقتصادية الصغيرة تمثل أحد حلقات سلسلة تتألف من مشاريعذات أنشطة اقتصادية مختلفة ومتكاملة تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي، فإن تطبيق السياسة البيئية عليها، بالإضافة إلى اعتماد مبادئ الإدارة البيئية للحد وتخفيض الملوثات عند المصدر، وإعادة استخدامها وتكريرها في الصناعات، سيخلق أنموذجا من المشاريع الاقتصادية المتوافقة بيئياً، مما يؤدي إلى انعكاسات ايجابية على مسيرة النمو الاقتصادي في سورية.‏

إن الانطلاق من حماية البيئة كأولوية أساسية، يمهد الطريق لتحقيق النموالاقتصادي بأقل تكلفة بيئية ممكنة على المدى البعيد. وبما أن دور التكنولوجيا أساسي في تحقيق أي نمو اقتصادي، فإنه ينبغي تطوير نماذج جديدة منها تحفز على إنتاج أنماط الإنتاج النظيف والاستهلاك المستدام وذلك ضمن حدود قدرة البيئة على الاستيعاب، حيث تستطيع التكنولوجيا المطورة أن تستفيد من موارد البيئة الطبيعية المتجددة في إنتاج الطاقة، وخصوصاً الطاقة النظيفة بيئياً على اعتبار أن قطاع الطاقة هو قطاع حيوي وهام من أجل تشغيل الاقتصاد. وبعبارة أخرى، تطوير التكنولوجيا الصديقة للبيئة، واستخدامها في تحقيق النمو الاقتصادي الذي يضع الاعتبارات البيئية في حسبانه، وتلك التكنولوجيا توظف الموارد المتجددة «مثل طاقة الرياح والشمس وغيرها»، من أجل تحضير الاقتصاديات العالمية إلى عصر ما بعد النفط، إلى عصر خيارات الطاقة المتجددة والنظيفة، إلى عصر التكيف مع البيئة والعمل ضمن حدود قدرتها الاستيعابية.‏

ومن أجل الوصول إلى النتائج الإيجابية المرجوة، لابد من التدخل الحكومي في ضبط النمو العشوائي للمشروعات الاقتصادية الصغيرة والتي لا تقوم على اعتبارات بيئية، وتكون ملوثاتها أكثر تركيزاً وأكثر استنزافاً لموارد الطبيعة. وتوجيه النمو الاقتصادي من خلال استخدام تكنولوجيا مساعدة وصديقة للبيئة، وإجبار المشروعات الاقتصادية على دفع تكاليف ما تحدثه من آثار سلبية على البيئة، وبتطبيق سياسة بيئية متشددة تقوم على أساس فرض الضرائب البيئية ذات الصفة الرادعة والتحفيزية. والمشكلة الأساسية هنا تكمن في عدم القيام بدراسات تقييم الأثر البيئي قبل تنفيذ المشروعات مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف البيئية، فعندما يكون قبول المشروعات قائماً على أساس جدواها البيئية، فإن تلك الآثار ستصبح عند حدها الأمثل. فالدعوة إلى بيئة نظيفة 100 % هي بالأحرى دعوة لتوقيف الإنتاج والاستهلاك بشكل كلي، فلا يوجد إنتاج أو استهلاك بلا آثار سلبية على البيئة، لذا فإن الدعوة الواقعية لحماية البيئة تكون من خلال تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية لتكون ضمن حدود قدرة البيئة الاستيعابية. وبالتالي فالمطلوب هو وضع حد أمثل للإساءة البيئية، وذلك من خلال إتباع سياسات اقتصادية- بيئية من شأنها تصغير هذه المشكلة وجعلها عند الحدود الدنيا، وذلك في سبيل تحقيق نمو وازدهار اقتصادي بأقل التكاليف البيئية.‏

تأليف د. أيهم أديب تفاحة –الهيئة العامة للكتاب- دمشق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية