تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


باسكال كينيارد .. الغوص ، أكثر ، نحو الأشياء المنسية .. !

كتب
الأربعاء 11-7-2012
لميس علي

على التوازي، يسيران.. هي في لعبتها الموسيقية.. و هو في لعبته الروائية.. سيراً باتجاه المنسيات.. باتجاه الأشياء الملقاة من الذاكرة..

فمن استعار قواعد لعبة الآخر .. ؟‏

و من صاد تقنية الآخر في عملية صوغ إبداعه..؟‏

يمكن تشبيه الحالة بدخول الروائي الفرنسي باسكال كينيارد في مضمار سباق مع بطلته (آن هيدن )في عمله (فيلا أماليا ).. حيث كل منهما يزحف وصولاً إلى مبتغاه.. إلى صيده الأثمن .‏

(آن )تهوى انتشال و تمرير الأشياء المنسية في عملها الموسيقي.. و لا يبتعد كينيارد عن ذلك، لكن بدقة أكثر، يستحيل الأمر معه و كما لو أنه استغراق أكثر في الاعتيادي.. في اليومي.. الانحشار الكامل في تفاصيل يوميات بطلته الموسيقية (آن ).‏

هل هي موجة عامة تطغى على ما يُنتج مؤخراً من رواية أوروبية.. الموسومة بالانكشاف على الحياة المعاصرة.. و تصويرها وفق إيقاعها السريع الذي يصل أحياناً إلى كونه استهلاكياً..‏

و بالتالي تكتسب كلمة (منسي )بُعداً مزدوجاً.. أو تضفي معنى وهمياً يفضي بدوره إلى كون كينيارد اشتغل، في روايته هذه، على قضايا و موضوعات تبدو مغفلة في سير الحياة عموماً.. و كونها مغفلة لا يعني عدم أهميتها.‏

مع كينيارد، لم يتبدَّ ذلك.. جلّ ما قام به هو حمله لمكبّر- مجهر ينظر من خلاله إلى تفاصيل يوميات بطلته (آن ).. فتضخّم هذه التفاصيل حتى لتبدو أفعالاُ مهمة.. و شائكة.. و ملحّة.. و يمكن، بواسطتها، إكساء عمل روائي.‏

هل هذا هو الحاصل مع كينيارد.. ؟‏

في تصويره لعيش (آن ) نكبتها و اكتشافها لخيانة شريك حياتها.. قليلاً ما يشعر القارئ بهول مصيبتها و كبر معاناتها.. و لعل أكثر المقاطع تعبيراً عن صعوبة المأزق الذي تحيا يتمثل في قوله (صعب أن نفترق عما نحب، و الأكثر إشكالاً هو أن نفترق عن ذواتنا أو عن صور ذواتنا).‏

تقرر (آن ) بعد أن تكتشف خيانة صديقها، مغادرة حياتها السابقة، و البداية من جديد.. تسافر.. تمضي إلى أماكن جديدة.. مدركةً أنها (لم تكن تهجر رجلاً فقط، بل عواطفها. كانت تهجر الطريقة التي عاشت بها عواطفها)، لتصل إلى نتيجة (أن المرء عندما يغادر كل شيء فإنه يفقد ذاته أيضاً. كانت تبدو تائهة في المرآة. هرمة. عاقبت نفسها، بطريقة غير معقولة على خطأ لم ترتكبه هي، بل شخص آخر. لم تعد تملك شيئاً. لا أحد يستطيع الاتصال بها أو موافاتها )..‏

هل يعني ذلك أنها سترتد عن قرار (الوحدة ).. إلى عيش مغامرات و علاقات أخرى .. ؟‏

في سفرها و تنقلاتها ما بين المدن الفرنسية والإيطالية.. ستحب (آن هيدن ) من جديد.. و ستهوى.. لكن لن تنسى موسيقاها.. فالموسيقا لديها حالة عشق.. كيف نشأ حبّها لدى (آن ).. تقول (كان مثل حالة القلق. نحس فجأة أننا نغرق في زوبعة من الأحاسيس لن نستطيع الخروج منها. لن نطفو. نغرق. لا يوجد شاطئ أمان. لن نستعيد التوازن من جديد.‏

هذا الشيء يحدث عندما نعشق. بالنسبة لي هذا هو التعريف. هل تحسون بهذا الدوار. الحفرة هنا تنفتح فعلاً و تجذب. عشت هذا الإحساس الذي يجعلنا نسقط جسداً و روحاً مرة واحدة ).‏

(فيلا أماليا ) على الرغم من انحيازها لرصد سلبية العلاقات السريعة لدى الغرب، إلا أنها تنجح بإظهار الجانب الإنساني في بعضها، كما في علاقة (آن هيدن ) و الطفلة (ماجدلينا ) أو علاقتها بصديق الطفولة (جورج ) الذي سيكون، نهايةً، مستقرها و ختام تطوافها..‏

و في الأخير تبادلا الحب... كان حبّاً حقيقياً. تحابا مثلما يمكن لطفلين في السادسة أن يتحابا. الحب في نظر الأطفال هو أن تعتني بهم. تعتني بهم في النوم. وتطمئنهم عند الخوف. و تواسيهم عند البكاء. و تعتني بهم في المرض، و تلامس جلدهم، تنظفه، و تمسحه، وتُلبسه.‏

أن نحب كما يحب الأطفال هو الإنقاذ من الموت. اللاموت هو الغذاء.‏

و حول هذه النقطة الأخيرة أحبّها كما لم يحب أبداً من قبلُ .‏

لا تسير الرواية وفق خط سرد ينتشي بالعاطفي.. أو يغرق بالإنساني المبالغ به.‏

في العمل، تطغى نبرة واقعية.. و كأنما يقف الروائي موقف الشاهد الحيادي مما يرى.. هو عين تسجّل لا أكثر.. دون أن تتأثر.. و هو ما يجعل إحساساً لدى القارئ يتكوّن بأن لا شيء شديد التأثير.. في ظل إيقاع سردي سلس.. ومتسلسل إنما بارد.. إن جاز القول..‏

هل كانت تلك حركة مقصودة من كينيارد إغراقاً في توصيل مناخية العلاقات الغربية سريعة العطب.. ربما.‏

‏

الكتاب: فيلا أماليا. - المؤلف: باسكال كينيارد. - المترجم: محمد المزديوي. - عن سلسلة إبداعات عالمية 2012م.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية