تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خالدون في ذاكرة الأجيال

كتب
الأربعاء 11-7-2012
يمن سليمان عباس

أثروا حياتنا بإبداعهم ورحلوا تاركين إرثاً متقدا أبد الدهر إنهم المبدعون الذين رسموا ملامح الأدب في القرن العشرين وإذا كان النقاد قد مالوا عن دراسة حياة وسير هؤلاء المبدعين والتهوا بكتابة نصوص سموها نقداً وهي لا تبتعد عن طبخ الحصى فإذا فعلوا ذلك فإن ثمة نقاداً أخرين ظلوا أوفياء للإبداع ولسير المبدعين وقدموا دراسات مهمة في هذا المجال.

وهنا نقف عند كتاب جديد صدر عن اتحاد الكتاب العرب حمل عنوان «قضايا ومبدعون» وهو من تأليف الدكتور حسين جمعة، وفيه يقف عند سير وأدب مجموعة من المبدعين العرب.‏

هداة الإبداع‏

في مقدمته يقول د. جمعة: ثمة مناضلون ومفكرون وباحثون ومبدعون قادرون على إعادة تشكيل حياتنا وجعلها ذات طعم راقٍ، وبخاصة حينما يعززون لدينا فكرة الانتماء والكرامة ومعرفة الحق، والتمسك بهويتنا وثقافتنا الحضارية فأمثال هؤلاء يجعلون الحياة جديرة بالعيش ونحن نتطلع إلى بناء مستقبل منشود.. وإذا كانت لأجسادهم قدرات وحدود ممكنة ومسافات تعبرها فإن ما أبدعته قرائحهم تخترق الزمان والمكان لتمنحهم الخلود في ذاكرة الأجيال لأنهم صاروا هداة لهم في دروب العتمة.‏

هؤلاء المبدعون نجحوا في ربط الماضي بالحاضر واستطاعوا تثبيت الوعي بوحدة أمتهم وهويتها العربية النضالية وقد امتزج لديهم ذلك كله بالجرأة والوضوح، فحققوا الزمن الذهبي للكلمة الجميلة والنضالية وانتشلوها من وهدة عصر التراجع والانحطاط، ولعل ما تقدم يستدعي من الباحث الإشارة إلى أن إنتاج سيرورة المناضلين والمبدعين يؤكد إنتاج تجربة جديدة برؤية مغايرة لما سبقها ونجاحها أو إخفاقها متروك لما خطه القلم في متونها.‏

رؤى حضارية‏

بداية تحدث المؤلف عن الأديب الألمعي الحضر في اليمني علي أحمد باكثير المولود في سورابايا- أندونيسيا عام 1910 والمتوفى بالقاهرة عام 1969، والذي تجاوز أدبه في الشعر والنثر مطبوعاً ومخطوطاً السبعين عملاً.‏

قدم باكثير رؤاه الحضارية في صميم بنية ربط الماضي بالحاضر في ضوء إيقاظ العقل والوجدان معاً وجعل ذلك همه الوطني والقومي فكان يزاول الكتابة الإبداعية موقناً بقدرة أمته وثقافتها على امتلاك قوة إبداعية تتجاوز العجز، أو الضعف الذي أصيب به بعض أبنائها.‏

وبناء على ما تقدم فإنه سلك مبدأ السخرية من الواقع العربي العاجز وفقد إياه ساخطاً عليه قبل غيره... ومن ثم أطلق شرارة التهكم من أولئك الذين لا يرون أن الأمة قادرة على تجاوز المزري وهو القائل:‏

كيف النهوض لأمة منكودة‏

منيت ديانتها بسوء تقهم‏

تلكم نواميس الرقي صريحة‏

نطقت بها آي الكتاب المحكم‏

الفراتي والتواصل الحضاري:‏

وينتقل المؤلف للحديث عن الفراتي واسمه محمد بن عطا الله بن محمود بن عبود، لقب بالفراتي منذ أن كان يدرس في الجامع الأزهر ويقيم في الرواق الشامي منه ويناديه زملاؤه الطلبة بالشيخ الفراتي، ولما أخذ يقرزم الشعر حنيناً وشوقاً إلى وطنه وبلده دير الزور صار يناديه الشاعر أحمد شوقي شاعرنا الفراتي.‏

إن إيمان الفراتي بعروبته ليس إيماناً طارئاً أو عارضاً أو نفعياً بل هو إيمان متجذر لديه فعل خلقي وإنساني كريم لم يتخلف عن مؤازرة أبنائها ولهذا لما نشبت ثورة مصر عام 1919 ودعاه الزعيم سعد زغلول للمشاركة فيها لبى نداءه وانضم إلى الثوار المصريين وكان يرى سعد زغلول عاشقاً للحرية وفيه قال:‏

نبتت محبتها بحبة قلبه وتعلقت منه بحبل وريده.‏

وقد اختلف النقاد والأدباء والباحثون والمفكرون في مكانة الشاعر الفراتي بين رواد عصر النهضة في الفكر والأدب ومنزلته بين أقرانه من شعراء عصره أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران وجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة، ولكنهم لم يختلفوا في زهده وتصوفه وأنه كان الأول الذي دخل الرواق الشامي من الأزهر الشريف وفيه تفجرت شاعريته.‏

بدوي الجبل وشعرية الافتراس‏

كما يضم الكتاب بين دفتيه الشاعر محمد سليمان الأحمد الملقب ببدوي الجبل، وأول من أطلق عليه هذا اللقب الأستاذ يوسف العيسى صاحب جريدة ألف باء الدمشقية، إذ وفد عليه سنة 1921 وهو يلبس عباءة عربية ويعتمر العقال المقصب وقدم له قصيدة حيا فيها روح المناضل الإيرلندي ماك سويني لأنه احتج على وجود الانكليز في بلاده فنشرها له مذيلاً إياها بعبارة «بدوي الجبل».‏

ولما التصق ذاك اللقب بالشاعر كان صديقه الأثير إلى نفسه الأستاذ أكرم زعيتر يلقبه «شاعر العربية» وقال فيه الشاعر الكبير نزار قباني: « إنه السيف اليماني الوحيد المعلق على جواد الشعر العربي، في عباءته ألف الشريف الرضي وألف أبي تمام، وكان الشاعر محمد مهدي الجواهري يحسب حساب بدوي الجبل قبل غيره.‏

عرف الشاعر بحسه الوطني والقومي وازداد اندماجه في حركة النضال وهو من قال «عندي شعر وطني وعندما كنت أنظم في الوطنية لم تكن قد أصبحت سياسية الشعر الوطني يستمد من أرفع ما يمكن أن يكون من العواطف الإنسانية، عواطف الشعور بمحنة الوطن وكفاحه» ومن ثم لم يفصل موقفه الوطني عن القومي وكذا كان شعره، فهو يري أن الأقانيم الثلاثة (الشام ومصر والعراق) عنده واحدة وتشكل بلداً واحداً ومما قاله:‏

تلك الأقانيم الثلاثة واحد بردى وشاطئ دجلة والنيل‏

قالوا: السياسة ، قلت رغم دهاتها‏

ظل العروبة في الربوع ظليل‏

وعقيدة وطنية عربية‏

فيها نصول على العدا ونطول.‏

‏

الكتاب: قضايا ومبدعون - المؤلف: د. حسين جمعة - الناشر: اتحاد الكتاب العرب دمشق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية