لافرق في ذلك بين جمهوريات وممالك بين إمارات وكيانات مجهرية تشكلت كالغلطة في الجغرافيا العربية وكانت الثورة في وجدان العرب هي فرصتهم الذهبية للاندفاع إلى الأمام ولكن من داخل قيمهم لا من خارجها، وبأدواتهم الوطنية والقومية لا بأدوات الغرباء، الكل كان على يقين أن حالة التكلس العربي الممسكة بنا جميعاً من أعناقنا وقلوبنا، لابد أن تنفجر من داخلها ولابد من خروج مثال معافى من أي بلد عربي غرباً أو شرقاً كي يلحق به العرب الآخرون ويستدرجوا شمسه إلى سماواتهم مثالاً ثورياً يحرك البحيرة الساكنة ويرسم خطوطاً جديدة للحياة بأنامل ماهرة لاترتجف كي لا تسقط في معصية الاعوجاج، تلك الحياة التي يصبح فيها المواطن العربي هو الوسيلة والغاية وهو أداة التغيير وهدفه وهو الذي يتنفس هواءه في مناخ من الحرية افتقده لعقود وعقود!
انتظرنا الثورة ففوجئنا بالردة وتوسمنا أملاً ما في البدايات الخادعة فاكتشفنا سريعاً أننا ساذجون نقرأ مفردات القشور ولا نحسن تفكيك ألغاز الجوهر اندفعنا خلف اللحظة الفاصلة التي تفحم فيها جسد محمد بو عزيزي وكان اندفاعاً مشروعاً وهتفنا مع الغاضبين في شارع الحبيب بورقيبة في تونس وكان هتافاًَ تلقائيا ومبرراً وحين اكتملت الصورة وجدنا أنفسنا وقد وقعنا في الكمين فتحالف الليبراليون الجدد والقوى السياسية الظلامية. كان قادراً على خطف النار التي اشتعل بها بو عزيزي وأشعلها في تونس وخطف هتافات الشوارع الصاخبة في كل مدن الجمهورية الخضراء ليوظفها في اغتصاب السلطة ديمقراطياً متكئاً على صناديق اقتراع لم تعكس توق التونسيين للثورة بل عكست عفويتهم في تحديد الخيارات قبل أن تسقط الأقنعة عن الوجوه الصفراء التي أوهمتهم أنها القادرة على استرجاع تونس إلى عروبتها وتحرير رقاب التونسيين من العبودية السياسية وهي تهيئ لهم قوانين عبودية جديدة يرجم الخارج عليها بالكفر!
لم تنج الحالة المصرية من هذا السياق التونسي ولم يحصد المصريون من قمح ثورة الخامس والعشرين من يناير سوى نسخة جديدة من اختطاف الفعل الثوري على يد تحالف ظلامي- ليبرالي آخر بات على ما يبدو هو العنوان المرشح لتشكيلات السلطات العربية الآتية، وهو ما نلمح مؤشرات على تبلوره في ليبيا الطالعة حديثاً من انتخابات النخبة الليبية الخارجة من عباءة حلف الناتو ومشروع عبد الحكيم بلحاج التكفيري المدمر!
هي الردة إذاً، ولا أثر للثورة في المشهد العربي والردة والرجعية متلازمتان الأمر الذي يفسر لنا ولكل من يريد أن يفهم اعتلاء ملوك وشيوخ النفط المعممين بالجهل مقعد القيادة في قاطرة هذه الردة العربية السوداء يبيعون في سوقها ويشترون ويدمرون كل قواعد وأسس التقدم ويبذرون أموالهم في مشروع استثماري سياسي يعتقدون أنه سوف يفتح لهم أبواب النعيم, فهل فاتت الفرصة الذهبية على العرب وانحدروا نحو القرون الوسطى من جديد أم إن إرهاصات ما حدث لم تنته بعد والفعل الثوري يستطيع أن يصحح مساره مرة أخرى ويجترح المعجزة التي تبدو اليوم صعبة المنال!؟