تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ليلة الوداع... طرح مسرحي متألق لحالات إنسانية مهملة

مسرح
الأربعاء 22-2-2012
آنا عزيز الخضر

كثرت عروض المونودراما على المسارح السورية، فهناك حضور واسع لأعمالها رغم وجود آراء متناقضة حولها، كفن مسرحي له آلياته و مفرداته و شروطه ،إلا أن ما قدمته المسارح السورية في هذا المجال على مدى مسيرته الطويلة ،كان لافتا بحق،

ولمسرح المونودراما صفحة ناصعة في تاريخ المسرح السوري، منها مسرحيات الفنانة الراحلة مها الصالح و عروض زيناتي قدسية و وغيرها الكثير من العروض المتألقة التي أداها فنانون سوريون بشكل مبدع وخلاق، وهي أكثر من أن تعد ، ففن المونودراما عدا عن التقنيات الإبداعية التي يحتاجها في مجالات عدة، فانه يتيح المجال للتعمق في مجال الشخصية الواحدة ،و الاهتمام المكثف بها من الناحية الدرامية و الفنية و المسرحية ،بشكل مركز وأكثر تعمقا فيما يخص تلك الشخصية ،فهو يبرر لذاك الكاتب كما العرض الفني، التبحر في مجالات حياتية واسعة للشخصية الرئيسية و الأساسية و الوحيدة من الناحية الإنسانية، كما هو من الناحية الاجتماعية، و يتيح المجال أكثر لتكثيف الأفكار و الظروف تجاه حالة معينة أو مقولة خاصة ،مثلما تبلور بشكل إبداعي وواضح ،في العرض المينودرامي ليلة الوداع على صالة مسرح القباني بدمشق، من تأليف الكاتب/ جوان جان/ و إخراج/ سهير برهوم /و تمثيل الفنانة المسرحية القديرة/ فيلدا سمور / والتي تقوم بدور امرأة، أجبرتها وحدتها وعزلتها التي فرضتها الحياة بمفاهيمها الظالمة ،حيث تغيرت الأخيرة إلى حد جعلتها تتخلى عن ابسط المفاهيم الإنسانية،فتنكفئ تلك المرأة إلى ذاتها ،تحاول أن تقوى على نفسها ، باسترجاع الماضي و علاقاته فاستقدمت شخصيات كثيرة من صفحاته، والتي مرت عليها عارضة أمامنا حياتها الخاصة ،كما العامة و كل ما مر بها، فتظهر تلك المرأة وشخصياتها ، المواقف من الحياة و الآراء وبيئتها ككل، حيث أعطى النص المسرحي، صورة معمقة لبنية تلك الشخصية عبر بنيتها الذاتية، ثم بيئتها المحيطية فعرفنا العرض على معاناة تلك المرأة المسنة الوحيدة، و ارتباطاتها كما أسرتها و ابنها و كل من ترك تأثير، في تلك العزلة الإجبارية و الوحدة التي عاشتها تلك المرأة، فعرفتنا من جهة أخرى على أبعاد حياتية و اجتماعية و نفسية، حول تلك الشخصيات ومفاهيمها، حيث تعمق النص و توسع في كل الاتجاهات التي ترتبط بتلك الشخصية الرئيسية ، كما هي الشخصيات الثانوية و شكل علاقاتها و طبيعتها ومبادئها الحياتية،و التي عرفناها من وجهة نظر الشخصية الأساسية، حيث لم تبتعد عن وجهة نظرنا أوعن الحالات الإنسانية التي نعرفها بشكل واقعي ، خصوصا انه تعددت الشخصيات التي مرت عليها البطلة ،إلا أن الفنانة امتلكت تقنية مسرحية مرنة انتقلت عبرها،من شخصية إلى أخرى بسلاسة جذابة، فتمكنت من التجول في عوالم شخصيات مسرحية متعددة كما أدائية متقنة، فهي لم تتماه كليا مع شخصيتها،حتى تتمكن التنقل من شخصية إلى أخرى ، فتوصل حالاتها المتعددة ، و تدعم الفكرة المطروحة عندنا كمتلقين ،فهي تدعو الجميع للنظر في خصوصية هذه المرحلة العمرية ،فالإنسان في أواخر عمره بحاجة إلى الرعاية الخاصة ،و هو ضمن أسرته، فكيف إن عاش الوحدة و الانعزال وهو في مرحلة الضعف ، فهي بعد وفاة زوجها تحاصرها الظروف و الضغوط النفسية، فتحاول الاستقواء عليها بالخروج من عزلتها، لكنها لا شك لم تخرج من تلك الدائرة ،رغم المحاولات و رغم الذكريات التي تواسي نفسها بها، فتحاول الاستعانة بها ،كي لا تستسلم فتبحث كي تجد مخرجا لها، من هذه الضغوط الكثيرة ،حالة تتكرر كثيرا أمامنا هنا و هناك، و يتم تقبلها ببساطة رغم قسوتها، فكم هو محزن أن يعيش ذلك المسن في آخر عمره وحيدا تحت عناوين كثيرة، و كيف يقبل ذاك التبرير بالانشغال عنه في الحياة و الخصوصية الحياتية، و قد عالج العرض مسالة اجتماعية و إنسانية على غاية من الأهمية، يندر معالجتها من قبل الأعمال الفنية، و كأن تلك الحالة أصبحت طبيعية ،و ليست استثنائية منفرة ،و قد استطاع العرض بمفرداته المونودرامية و تداعياته ،أن يعبر عن تلك الحالة الإنسانية بدقة شديدة، و قد استخدمت الفنانة السرد المباشر أحيانا ،و المونولوج أحيانا أخرى، و أحيانا عبر التقليد للشخصيات العديدة ،التي مرت بها بدءا من الابن إلى الزوج و غيرها، و قد انتقلت من حالة إلى حالة ضمت سياقات نفسية موازية ،عبرت عن مقدرة فنانة عريقة في المسرح السوري ،فاستطاعت إيصال الكثير من الأفكار عبر انسيابية خاصة و سلسة، و قدمت حالات من الحزن و الغضب و أحيانا الفرح و غيرها، كلها شدت المتلقي، فكان هناك تنوع في الحالات الأدائية ،أظهرت لغة مسرحية وجسدية متمكنة، ناسبت أجواء العرض و معطياته كافة، و فضحت تلك الحالة الاجتماعية ،التي كثرت في مجتمعنا لأسباب عديدة،وقد تم التعامي عن كثير من الحالات الإنسانية ،التي تعني في كنهها القيم الجميلة من المحبة إلى احترام المسنين و الحنان، فمن المهم بمكان أخذها بعين الاعتبار كضرورة إنسانية يجب الالتزام، بها لا أن تبقى على الهامش ،تحت عناوين، قد تكون الحياة الخاصة ،أو الانشغال الطويل و غيره، و يسجل هذا لصالح النص للفت النظر إلى هذه الحالة، هذا عدا عن ظهور حالات إبداعية متنوعة في العرض، إن كان في النص المسرحي، أو الإخراج والاستخدام المتقن لأساليب و حلول تتناسب مع عالم المونودراما، ذلك الفن الدقيق جدا، الذي يتطلب معطيات دقيقة،تبقيه مع صيرورته ضمن دائرته الإبداعية الخاصة ،فهو ذات شروط فنية تتطلب الالتزام بها بكل حذافيرها وتفاصيلها ، خصوصا انه يعتمد على ممثل واحد مطلوب منه التلون و التنقل و تصوير حالات درامية و إنسانية ،يجب أن تشد المتلقي بشكل دائم، و حققت من جهتها /الفنانة فيلدا سمور/ ذلك باقتدار،فهي صاحبة الحضور المتميز في المشهد المسرحي السوري.في اتجاهات عديدة ،وقد ترجمت نصا مسرحيا غنيا يحمل ملامح إنسانية مهمة بحق.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية