بين الجانبين وبلغت حد التهديد بالمواجهة العسكرية الحتمية بعد اشتعال حرب باردة من نوع جديد بينهما على خلفية سعي الولايات المتحدة نشر أجزاء من الدرع في أوروبا الشرقية ولاسيما أن واشنطن لم تقدم حتى الآن أي ضمانات لروسيا تثبت أن الدرع ليست موجهة ضدها، بينما الوقائع على الأرض تشير عكس ذلك، حيث إن أهم المناطق الاستراتيجية في روسيا ستكون تحت مرمى هذه الدرع.
القضية التي غابت بعض الشيء لم يلغ أهميتها كقضية تحمل من الحساسية ما تحمله لما لها من تأثير كبير على مصير العالم برمته وعلى طبيعة العلاقات الدولية لعقود طويلة قادمة، سواء توصل الجانبان إلى تفاهم بشأنها أم لم يتوصلا، وخاصة أن هذه القضية عادت للواجهة من خلال إصرار موسكو الحصول على ضمانات قانونية بعدم تهديد أمنها القومي وتجاهل الولايات المتحدة والناتو للمطالب الروسية.
المخاوف الروسية تلك عززها إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» اندرسون فوغ راسموسن أن الحلف لا يعتزم تقديم ضمانات قانونية لروسيا ويصر على أن مشروع الدرع الصاروخية الأميركية لا يهدد أمنها، وأن الطريق الأفضل لزيادة الثقة هو إجراء المزيد من المحادثات والنقاشات السياسية بدلاً من اعتماد صيغ قانونية معقدة سيكون من الصعب تصديق أعضاء الحلف عليها.
الولايات المتحدة حاولت الالتفاف على المخاوف الروسية فقدمت مقترحات تقضي بمشاركة روسية في هذه الدرع إلا أن موسكو رفضت ذلك بعد أن ساورها الشك حيال الضمانات القانونية التي رفضت واشنطن تقديمها والمتلخصة بعدم توجيه درعها الصاروخية ضد قدرات روسيا النووية، بينما اعتبرت أوساط سياسية روسية أن تلك المقترحات لا تتعدى كونها جوائز ترضية تضر بأمن روسيا القومي ما يفرض على الأخيرة البدء في نشر منظومتها الصاروخية وتعزيز قدراتها الدفاعية، الأمر الذي دفعها لعدم التعامل بجدية مع المقترحات الأميركية الخاصة بتوقيع اتفاق حول التعاون في مجال تكنولوجيا الدفاع ما لم يتم وضع أسس مشتركة ومتفق عليها بشأن هذا التعاون.
خطورة الوضع ازدادت مع مواصلة واشنطن تشييد هذه الدرع دون توقف وفق الجدول الزمني الذي تم إقراره من وزارة الدفاع الأميركية في أماكن تدعي أنها مناسبة لضمان أمنها القومي على حساب أمن العالم، ويرى خبراء روس أن التهديد المباشر للترسانة الروسية يكمن في تنفيذ المرحلة الثالثة والرابعة من خطة نشر الدرع الصاروخية الأميركية التي بدأت بتشييد محطة رادار في تركيا، وببناء قاعدة ستضم صواريخ اعتراضية في رومانيا، ليتبعها نشر صواريخ اعتراضية في بولندا عام2018، اللتين ستمكنان واشنطن من إنهاء قدرات روسيا النووية، وما يزيد من الأمر تعقيداً هو رفض حلف الناتو للمقترح الروسي الخاص بنشر منظومة صاروخية دفاعية مشتركة بإشراف مشترك بين الحلف والولايات المتحدة وروسيا.
أما في حال لم يتوصل الجانبان الروسي والأميركي إلى حل لهذه المعضلة، فإن العلاقات بين الجانبين ستكون مهددة، الأمر الذي سيدفع روسيا إلى إيجاد سبل أخرى تساعدها في الضغط على واشنطن كي تتخلى عن مخطط نشر هذه الدرع الذي سيؤدي نشره لشل قدرات موسكو النووية فضلاً عن إمكانية إسقاطها جميع الصواريخ الروسية العابرة للقارات، ولاسيما أن اتفاقية (ستارت-3) التي تم توقيعها مؤخراً بين رئيسي البلدين، لم تتناول الحد من الأسلحة الدفاعية الاستراتيجية بالشكل الذي تفضله موسكو، ولم تحد أو تحظر نشر الدرع الصاورخية بل دعت فقط إلى استمرار التنسيق بين موسكو وواشنطن بهذا الشأن للتوصل إلى اتفاق حوله، وسمحت لروسيا بالانسحاب من الاتفاقية رداً على نشر الدرع.
وفي ذات الوقت إذا فشلت موسكو في تسوية أزمة الدرع الأميركية فسيدفعها ذلك إلى بذل جهود مكثفة لتحديث وتطوير ترساناتها العسكرية، ما يعني بدء سباق تسلح جديد ينذر بكارثة خطيرة جداً، الأمر الذي سيجر العالم إلى حالة من التوتر لن تقل حدة عن الحرب الباردة، وستفتح الباب واسعاً للتنافس بين الطرفين سيكون سباق التسلح المدمر أحد أبرز معالمها، إضافة إلى التنافس على مختلف المناطق ما سيؤدي لنشوب نزاعات إقليمية ستصبح ساحات مواجهة غير مباشرة بين القوى الكبرى ربما تمتد لتصل إلى حد المواجهة المباشرة وهنا يكمن الخطر الأكبر.
محاولات موسكو تجنيب العالم نتائج توتر علاقاتها مع واشنطن بشأن الدرع من خلال سعيها إلى إقناع الأخيرة بالتخلي عن التنافس بهذا الشأن، والعمل لبناء علاقات شراكة حقيقية، باءت بالفشل نظراً لتعنت واشنطن التي سعت بدورها لتحقيق تفوق نووي وعسكري على خصمها اللدود روسيا طمعاً بسيطرتها على العالم، دون أن يعكر صفوها أحد، فهل سيتحقق الحلم الأميركي على حساب العالم أجمع أم سيفشل؟