تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الهجرة اليهودية في خدمة الاستيطان الصهيوني

شؤون سياسية
السبت 12-11-2011
نبيل محمود السهلي

ثمة موجات للهجرة اليهودية ساعدت في تحقيق الهدف الديموغرافي للاستيطان الذي يعتبر الأساس للسياسة السكانية الصهيونية في فلسطين، وقد حصلت الموجة الأولى للهجرة اليهودية ما بين عامي 1882-1903،

إذ هاجر نحو عشرة آلاف يهودي من روسيا في أعقاب حادثة اغتيال قيصر روسيا وما تبعتها من عمليات اضطهاد لليهود هناك، وبين عامي 1904-1918 حدثت الموجة الثانية، وصل عدد المهاجرين إلى 85 ألف مهاجر، ثم حدثت الموجة الثالثة ما بين عامي 1919-1923 بعد حدوث الثورة البلشفية في روسيا، وبلغ عدد المهاجرين نحو 35 ألف مهاجر وتمت الموجة الرابعة ما بين عام 1924-1932، حيث هاجر نحو 62 ألف مهاجر بسبب قيام الولايات المتحدة الأميركية بسن قوانين حدت من الهجرة إليها، أما الموجة الخامسة فكانت بين عامي 1933-1938، حيث بلغ عدد المهاجرين في هذه المرحلة حوالي 16400 مهاجر بسبب التشريد الذي حل بالمخيمات اليهودية في مناطق الاحتلال النازي، وإلى جانب هذه الموجات كانت هناك هجرات سرية قام بها اليهود الشرقيون / السفارديم/ من جهات مختلفة من اليمن والحبشة وأفريقيا الشمالية وتركيا وإيران وذلك في فترة الأربعينات، وذلك بسبب قيام سلطات الانتداب البريطاني بفرض قيود على الهجرة اليهودية تقرباً للعرب للوقوف بجانبها في الحرب العالمية الثانية. وقد بلغت حصيلة الهجرة اليهودية إلى فلسطين حتى عام 1948 حوالي 650 ألف مهاجر يهودي، وبعد قيام دولة إسرائيل قامت بتشجيع الهجرة اليهودية وذلك بسن العديد من القوانين مثل قانون العودة عام 1950 وقانون الجنسية الإسرائيلي عام 1952، فازداد عدد المهاجرين، حيث بلغ في الفترة من 1948-1967/ 1.3/ مليون مهاجر ولم تتوقف الهجرة رغم بعد التراجعات بفعل تراجع عوامل الطرد والجذب إلى فلسطين المحتلة، والثابت أن السنوات الذهبية للهجرة كانت بعد عام 1948 وفي عقد التسعينيات من القرن العشرين، حيث شكلت هجرة اليهود من دول الاتحاد السوفييتي السابق النسبة الكبرى من بين مجموع المهاجرين اليهود، وبشكل عام ساهمت الهجرة بنحو 65 في المائة من إجمالي الزيادة السكانية لليهود في فلسطين خلال الفترة /1948-1960/، وكذلك هي الحال بالنسبة للفترة /1990-2000/، بيد أن الهجرة تراجعت خلال الفترة/2000-2010/ نظراً لأن القسم الأكبر من يهود العالم يتركزون في مناطق ودول غير طاردة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا، وإن حصلت بعض الهجرات من تلك الدول فلن يتعدى الرقم بضع مئات مقابل نحو 176 ألف مهاجر في بعض أعوام التسعينيات من القرن المنصرم.‏

إسرائيل وأهمية الاستيطان‏

أشرنا أن للاستيطان دوراً بارزاً في تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين، وقد نجحت الحركة الصهيونية بالاعتماد على فكرة الاستيطان وفلسفته التي جاءت من وراء البحار، حيث تم الإعلان عن قيام إسرائيل في أيار من عام 1948 على 77% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلو مترات مربعة، وتمكنت إسرائيل من طرد معظم السكان الفلسطينيين بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر وتدمير أكثر من 400 قرية ومدينة فلسطينية، ومن المجازر المرتكبة بحق العزل الفلسطينيين مجزرة بلد الشيخ في قضاء مدينة حيفا، ومجزرة دير ياسين وكفر قاسم في قضاء مدينة القدس، وأصبح الفلسطينيون يعيشون مشردين لاجئين في البلاد العربية المجاورة وفي داخل فلسطين في الضفة والقطاع، ومازالوا إلى الآن رغم صدور القرار 194 وخمسين قراراً آخر يدعو إلى ضرورة عودتهم إلى أراضيهم بأسرع وقت ممكن، وفي المقابل فتحت أبواب الهجرة اليهودية على مصراعيها ليتدفق الكثير من اليهود من مختلف أنحاء العالم، واستمر هذا الوضع حتى حرب الخامس من حزيران عام 1967 ، والتي كانت من أهم نتائجها استكمال سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، وبذلك تكون فرصة جديدة سنحت لإسرائيل لمتابعة مخططات الصهيونية لتهويد فلسطين عبر النشاط الاستيطاني، والتي بدأت في القرن التاسع عشر، ورغم تفكيك المستوطنات من قطاع غزة بسبب التكلفة العالية وكفاح أهل غزة الطويل، بيد أن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر عملية استيطان إسرائيلية في الضفة الغربية أدى إلى بناء 151 مستوطنة إسرائيلية تضم أكثر من ثلاثمائة ألف مستوطن إسرائيلي ، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، وفيها نحو 180 ألف مستوطن إسرائيلي، وهناك مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية من مدينة القدس.‏

ضرورات المعركة القانونية‏

ضد الاستيطان‏

بعد زيادة الوعي الشعبي في أوروبا حول عنصرية إسرائيل، وانتشار منظمات المجتمع المدني بشكل ملموس خلال العقدين الأخيرين، يمكن للعرب خوض معركة قانونية ضد الممارسات و السياسات ضد الشعب الفلسطيني، وقد يكون من باب أولى تهيئة ظروف مناسبة وفق آليات مدروسة لفرض معركة ضد النشاط الاستيطاني والمستوطنات الإسرائيلية التي تعتبر وفق غالبية الدول في العالم على المستوى الرسمي والشعبي غير شرعية، وبالتالي المطالبة بتفكيكها كمعالم احتلالية للأرض الفلسطينية ، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه يمكن الاعتماد على قرارات الشرعية الدولية إزاء المعلم الأساسي للاحتلال، أي المستوطنات، حيث نصت القوانين الدولية على حماية حقوق المواطنين في أراضيهم الواقعة تحت الاحتلال، فميثاق جنيف المدني لعام 1949 يشير في مادته /49/ الفقرة السادسة إلى أن « القوة المحتلة لا يجب أن تنقل أو تحول جزءاً من سكانها إلى الأراضي التي احتلتها» وتبعاً لذلك تعتبر النشاط الاستيطاني وعملية مصادرة الأراضي وضمها وبناء المستوطنات الإسرائيلية عليها في الضفة الغربية بما فيها القدس متعارضة ومنافية للميثاق المذكور وكذلك لنص المادة /47/ من ميثاق جنيف/، فضلاً عن تعارض النشاطات الاستيطانية وعملية الإحلال الديموغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأبسط قواعد القانون الدولي وبشكل خاص لاتفاقية لاهاي الموقعة في عام 1907، واللوائح الملحقة بها والتي تؤكد بمجملها على ضرورة حماية مصالح الشعب تحت الاحتلال، وهذا ما ينطبق على سكان الضفة الغربية /2.2/ مليون فلسطيني بما فيهم /310/ آلاف في محافظة القدس، والملاحظ بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 لم تكتف بنقض القوانين الدولية المذكورة ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين قامت بالسيطرة على الأراضي الخاصة في الضفة الغربية والتي نصت المواثيق الدولية على حمايتها ابتداء من ميثاق عام 1907 إلى ميثاق جنيف لعام 1949، حيث تمت الإشارة فيهما إلى منع عمليات مصادرة الأراضي الخاصة كلياً، والاستثناء الوحيد لأسباب أمنية، وحتى في هذه الحالة لا يجوز مصادرة الأراضي، بل يسمح بالسيطرة المؤقتة عليها، بخلاف النقض الفاضح الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية بإقامة مبانٍ سكنية دائمة لإسكان مهاجرين يهود، ونقصد هنا المستوطنات، وفي هذا السياق نشير إلى أن النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية منذ عام 1967 أدت إلى بناء /151/ مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية تستحوذ على /300/ ألف مستوطن إسرائيلي، ناهيك عن ست وعشرين مستوطنة تلف القدس بطوقين من المستوطنات ويتركز فيها أكثر من مائة وثمانين ألف مستوطن إسرائيلي، وصادرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من أربعين في المائة من مساحة الضفة الغربية لمصلحة إنشاء المستوطنات والطرق الالتفافية، ناهيك عن سيطرة إسرائيلية على أكثر من ثمانين في المائة من مساحة مدينة القدس، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الجدار العازل الذي سيصل طوله إلى /720/ كيلو متراً وسيلتهم خمسين في المائة من مساحة الضفة الغربية يعتبر هو الآخر من أكبر النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية غير الشرعية في عمق الضفة الغربية، وقد أكدت ذلك هيئات دولية عديدة في المقدمة منها محكمة العدل الدولية التي استصدرت قراراً يعتبر الجدار عملاً إسرائيلياً غير شرعي، وهو بذلك منافٍ للقوانين الدولية المشار إليها، وقبيل ذلك كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة استصدرت القرار 2443/23 في التاسع من كانون أول عام 1968، ونص على إنشاء لجنة دولية للتحقيق في ممارسات إسرائيل تجاه حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتم تسجيل عدة توصيات بناء على القرار المذكور من أهمها: بطلان التصرفات التي اتخذتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعاودت الأمم المتحدة التأكيد على القرار المذكور في عام 1977 وفي عقد الثمانينات من القرن المنصرم.‏

وفي مواجهة القوانين الدولية اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 سياسات محددة للإطباق على الأرض الفلسطينية وشرعنة بناء المستوطنات عليها، فقد استصدرت السلطات الإسرائيلية الأمر العسكري رقم /10/ الصادر في شهر تموز من عام 1967 تم من خلاله سيطرة إسرائيل بشكل مباشر على أملاك الغائبين، ونقصد هنا نازحي العام 1967، واستحدث حارساً لأملاك الغائبين وتم منع بيع أو تأجير تلك الأملاك دون موافقة السلطات والمؤسسات الإسرائيلية وفق القرار الإسرائيلي رقم /58/.‏

وبالنسبة للسيطرة التدريجية على أراضي الضفة منذ عام 1967، كان الأسلوب المتبع من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ التاريخ المذكور هو مصادرة مزيد من الأراضي لأغراض عسكرية، أما ذرائع إقامة المستوطنات الإسرائيلية فكانت تتركز حول حجج دينية تارة، واعتبارات تاريخية مزيفة تارة أخرى، لكن الأهم كانت ذريعة الاعتبارات الأمنية والدفاعية، وترتبط هذه الحجة إلى حد كبير بقدرة المستوطنات على القيام بدور خط الدفاع الأول عن إسرائيل.‏

واللافت أنه على الرغم من الإدانات الدولية لإنشاء المستوطنات الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بيد أن الموقف الدولي ممثلاً بمنظمات الأمم المتحدة والدول المنضوية لم ينتقل من الاعتراض والتنديد إلى إشارات حقيقية توقف النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية وتجبر إسرائيل على تفكيك أهم معلم من معالم الاحتلال ونقصد المستوطنات الجاثمة على صدر الفلسطينيين في الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى تسريع وتيرة الاستيطان لفرض واقع إسرائيلي على الأرض يصعب الانفكاك عنه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية