تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الراقصــــــــــــة.. التي أنقذها اينشتاين

عن The Guardian
مســــــرح
السبت 12-11-2011
ترجمة رنده القاسم

كانت نيويورك في قبضة موجة حر، غير أن لوسيندا تشيلدز جلست في مكتبها نشيطة منتعشة. و اليوم هي في الواحدة و السبعين من عمرها و مع ذلك لا تبدو أقل أناقة عما كانت عليه وهي راقصة شابة.

و من ينظر إلى توازن رأسها و جسدها النحيل المتناسق ، سيدرك سريعا سبب تلقيها قبل خمسة و ثلاثين عاما دعوة من المخرج روبيرت ويلسون و المؤلف الموسيقي فيليب غلاس لدور البطولة في الأوبرا الرائدة(اينشتاين على الشاطئ).‏‏

لقد كان عرضا لمدة خمس ساعات باستراحة مفتوحة، و لكل إيماءة و كلمة وقت محدد بدقة كبيرة، فهو ما كان بالعرض المناسب لمن يملكون أذهانا مشوشة أو قلوبا ضعيفة. و تشيلدز اللطيفة المنتقية لكلماتها بدقة تصف العمل بأنه أشبه بالسباق الماراتوني ، و كان طاقم العمل يحصل على الحد الأدنى من الوقت لاحتساء شيء ما أو دخول دورة المياه. و لكن أصعب ما في الأمر هو الشعور بغفلة المشاهدين إذ كان يسمح لهم بالدخول و الخروج في أي وقت و تقول تشيلدز: ( بداية شعرت بالإهمال عدا القلق من التشويش و التشتت، و لكن فيما بعد أحببت فكرة ترك الجمهور يفعل ما يريد).‏‏

و عندما سيقدم هذا العمل غير العادي، بحبكته و شخصياته غير البينة، في المملكة المتحدة الربيع القادم، لن تكون تشيلدز على خشبة المسرح. و لكنها ستبقى ملتصقة بالعمل بشكل لا يمكن إنكاره ليس فقط بسبب ذاك الأداء الذكي و البارع و القوي الذي خلده فيلم وثائقي عام 1984، و لكن أيضا لوقوفها مرتدية ثوبا أبيض بسيطا ،يشير إلى أينشتاين ،و ترديدها بعض الأسطر التي تبدو غير منطقية لحد الهلوسة .‏‏

عام 1976 غير(اينشتاين على الشاطئ)فهم الناس للأوبرا. و رغم أنه كان مستوحى من حياة الفيزيائي العظيم، إلا أن العمل لم يتبع طريق السيرة الذاتية، و ترك للجمهور تفسير سبب ظهور اينشتاين كعازف كمان و راقص منتش، مع انتقال العمل بين محطة قطار و سفينة فضائية.‏‏

و في فرنسا ، حين عرض العمل لأول مرة، تلقى انتقادا واحدا فقط وصفه بالتكراري و الممل بحيث يعتبر علاجا جيدا للأرق، أما في نيويورك فقد غادر بعض الجمهور العرض و البعض الآخر صفق له وقوفا. و لكن مع إحياء العمل عام 1984 و جولته حول العالم أضحى أسطورة ، و تذكر تشيلدز ما حدث في طوكيو قائلة: ( كنت تسمع رنين الإبرة ، و أحد لم يتحرك طيلة العرض).‏‏

بالنسبة لتشيلدز كان (اينشتاين على الشاطئ) حدث غير مجرى حياتها المهنية، و هي التي لم تكن غريبة على التجارب المتطرفة. فقد بدأت عملها مع مجموعة (جودسون) الفنية في نيويورك التي أسست عام 1962و كانوا يؤدون رقصات على الشرفات و في صالات المعارض و مواقف السيارات و الشوارع.و لكن مع بداية السبعينات حلت جودسون و كانت الراقصة الجميلة تشيلدز تحلم بالعمل في مجموعة محترفة و بدا الأمر صعبا إلى أن شاركت في اينشتاين.و كان ويلسون و غلاس نجمين آنذاك و لكن بالنسبة لتشيلدز كان الأداء في فضاء مسرحي واسع أمرا مرعبا و تقول: (كنت معتادة على عدد قليل جدا من الجمهور يجلس حولي . لقد كان تحديا كبيرا فالحركة و المشروع أكبر بكثير مما اعتدت).‏‏

مغامرة تشيلدز التالية في المسرح كانت في مسرحية من فصلين لـ ويلسون بعنوان:( كنت أجلس في فنائي)، و تضحك و هي تذكر ذاك العمل عام 1977 قائلة:( لقد كان نصه غريبا جدا، أعتقد أنه كان جميلا و مرحا و لكن يحمل تحدياً. في الفصل الأول تتم قراءة النص ثم أعيده في الفصل الثاني عبر حركات مختلفة. لقد كان حقا كارثة لا تصدق. و عندما قدمناه في المملكة المتحدة ، جذب الكثير من الجمهور بسبب الشهرة السابقة لعرض اينشتاين، و لكن النقاد الانكليز كانوا قاسين و قالوا بأننا لا ممثلين و لا كتاباً). و هذه المسرحية أيضا تعود للحياة اليوم ما يثير ضحك تشيلدز و يدفعها لمصالبة إصبعيها طلبا للحظ.‏‏

و رغم الهجوم الذي تعرضت له مسرحية(كنت أجلس في فنائي) فان مهنة تشيلدز لم تتأثر، فالعمل مع غلاس في اينشتاين كان ملهما. و في الستينات ساد اعتقاد بأن الرقص و الموسيقا كيانان مستقلان، قد يتواجدا في أداء واحد و لكن فكرة ربط خطوات الرقص بالنوتات و المقاطع الموسيقية و الألحان كانت بلا رونق. و تشيلدز لم تؤمن بهذا الرأي: ( إن فكرة اكتشاف نبض الرقص و توقيته مع الموسيقا كانت مثيرة جدا بالنسبة لي سيما إذا كانت الموسيقا لفيل غلاس). و عام 1979اشترك كل من تشيلدز و غلاس في عرض(رقص) و زاد من الإبداع انضمام الفنان المصمم سول ليويت، الذي جاء بفكرة استخدام الراقصين كديكور و ذلك عبر فيلم سينمائي يتزامن عرضه مع أدائهم على خشبة المسرح. و كانت الفكرة جديدة تماما.و قد صور الراقصون من زوايا مختلفة و أحيانا من الأعلى أو الأسفل و عن قرب و كانت النتيجة بارزة في عالم الرقص كبروز اينشتاين في عالم المسرح الموسيقي. و هذا النجاح وضع تشيلدز في الصف الأول فحصلت على عروض من دور أوبرا هامة في الكثير من الدول.‏‏

و إعادة إحياء عرض (رقص) عام 2009 كان تجربة غريبة، و السبب الأكبر بذلك يعود للاختلافات بين الطاقم الجديد الشاب و بين الراقصين الأصليين في فيلم ليويت المرافق بما فيهم تشيلدز نفسها و كان عمرها حينها تسعة و ثلاثين عاما، و تقول: ( بدا الأمر في البداية غريبا جدا، و وجدت صعوبة في المتابعة, فأجساد و أساليب الراقصين قد تغيرت كثيرا خلال ثلاثين عاما بشكل مذهل. فآنذاك كان التنوع مذهلا و الأساليب أكثر اختلافا، أما الراقصون اليوم فهم أكثر تماثلا)‏‏

و ترى تشيلدز أنه من المهم جدا رؤية كمية الراقصين الساعين للعمل على إحياء هذا العمل القديم، و من الغريب أنه بعد كل تلك السنوات توقر على أنها سيدة الحقبة الذهبية.و اليوم مع عملها إلى جانب الفرقة الساعية لعرض عملي(اينشتاين على الشاطئ) و (رقص) تأمل تشيلدز بتحقيق نجاح جديد و تقول: ( لا أشعر بالحنين للماضي، فالذي يعنيني الآن هو خلق عمل جديد و ليس فقط رؤية عمل قديم يعود للحياة).‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية