ثم يستشهد بما كان يجري في بعض الصالونات الثقافية، من ذلك مثلاً أن عباس محمود العقاد كان يؤم مع كثير من الأدباء ورجال الفكر من رجال وسيدات دار كاتبة أديبة جرت عادتها على إقامة حفلات في اليوم الموافق لعيد ميلادها، وتدعو إليه المعارف من الصديقات والأصدقاء.
وكانت بين السيدات المدعوات سيدة متصابية تطوي حقيقة عمرها في تلافيف الأصباغ والمساحيق التي لا تلبث كثيراً حتى ترفع الستار عن الواقع الأليم من العمر المديد.
وبينما كانت الأحاديث تدور في صالون ربة الدار، حول أعياد الميلاد وهدايا أعياد الميلاد إذ بالسيدة المتصابية، تقول في تفاخر وزهو أن زوجها أعفاها مؤونة التفكير فيما تحب أن يقدمه لها أو تكراره إذا لم تذكر له ما تريد، وقد درج على أن يقدم لها في كل عيد من أعياد ميلادها خمسين جنيهاً، كان ذلك في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين مبلغاً كبيراً في مصر، لتشتري بها ما تشاء، وهنا فاجأها العقاد بقوله، وهو سيد مثل هذه المواقف: لابد يا هانم أنك أصبحت مليونيرة.
الحياة.. شطرنج آخر
ما يصح في مجتمع لاعبي الشطرنج يصح في لعبة شطرنج آخر هو الحياة في كل مجتمع إنساني، حياة كل إنسان كل يوم، فالمجتمعات الأمم أو الجماعات الثقافية أو الطبقات أو الأسر أو المهن.. «تفرز« منظومات بداهات ذات طبيعة متفاوتة كل التفاوت، منظومات بداهات عقلية أو عاطفية أو أخلاقية أو عملية وهذه المنظومات هي «اللعبة الناجزة» سلفاً وهي سبل بدء اللعب، لعب الوجود المشترك بين أعضاء أي مجتمع، ولا يعيد المرء نظره في منظومة بداهات مجتمعه الدينية أو العقلية أو العاطفية أو الاجتماعية عندما يسعى إلى النهوض بمسؤولية عمل من أعماله، شأنه شأن التلميذ الذي لا يعيد النظر في النظريات المشتقة من موضوعه (اقليدس) عندما يحل مسألة من المسائل الهندسية.
د. عادل العوا
أخلاق التهكم - منشورات دار الحصاد - 1989